المسألة الرابعة :﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا﴾ إشارة إلى أنها تقع دفعة واحدة فالوقعة للمرة الواحدة، وقوله :﴿كَاذِبَةٌ﴾ يحتمل وجوهاً أحدها : كاذبة صفة لمحذوف أقيمت مقامه تقديره ليس لها نفس تكذب ثانيها : الهاء للمبالغة كما تقول في الواقعة وقد تقدم بيانه ثالثها : هي مصدر كالعاقبة فإن قلنا بالوجه الأول فاللام تحتمل وجهين أحدهما : أن تكون للتعليل أي لا تكذب نفس في ذلك اليوم لشدة وقعتها كما يقال : لا كاذب عند الملك لضبطه الأمور فيكون نفياً عاماً بمعنى أن كل أحد يصدقه فيما يقول وقال : وقبله نفوس كواذب في أمور كثيرة ولا كاذب فيقول :/ لا قيامة لشدة وقعتها وظهور الأمر وكما يقال : لا يحتمل الأمر الإنكار لظهوره لكل أحد فيكون نفياً خاصاً بمعنى لا يكذب أحد فيقول : لا قيامة وقبله نفوس قائلة به كاذبة فيه ثانيهما : أن تكون للتعدية وذلك كما يقال : ليس لزيد ضارب، وحينئذ تقديره إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها امرؤ يوجد لها كاذب إن أخبر عنها فهي خافضة رافعة تخفض قوماً وترفع قوماً وعلى هذا لا تكون عاملاً في ﴿إِذَا﴾ وهو بمعنى ليس لها كاذب يقول : هي أمر سهل يطاق يقال لمن يقدم على أمر عظيم ظاناً أنه يطيقه سل نفسك أي سهلت الأمر عليك وليس بسهل، وإن قلنا بالوجه الثاني وهو المبالغة ففيه وجهان أحدهما : ليس لها كاذب عظيم بمعنى أن من يكذب ويقدم على الكذب العظيم لا يمكنه أن يكذب لهول ذلك اليوم وثانيهما : أن أحداً لو كذب وقال في ذلك اليوم لا قيامة ولا واقعة لكان كاذباً عظيماً ولا كاذب لهذه العظمة في ذلك اليوم والأول أدل على هول اليوم، وعلى الوجه الثالث يعود ما ذكرنا إلى أنه لا كاذب في ذلك اليوم بل كل أحد يصدقه.
المسألة الخامسة :﴿خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ﴾ تقديره هي خافضة رافعة وقد سبق ذكره في التفسير الجملي وفيه وجوه أخرى أحدها : خافضة رافعة صفتان للنفس الكاذبة أي ليس لوقعتها من يكذب ولا من يغير الكلام فتخفض أمراً وترفع آخر فهي خافضة أو يكون هو زيادة لبيان صدق الخلق في ذلك اليوم وعدم إمكان كذبهم والكاذب يغير الكلام، ثم إذا أراد نفي الكذب عن نفسه يقول ما عرفت مما كان كلمة واحدة وربما يقول ما عرفت حرفاً واحداً، وهذا لأن الكاذب قد يكذب في حقيقة الأمر وربما يكذب في صفة صفاته والصفة قد يكون ملتفتاً إليها وقد لا يكون ملتفتاً إليها التفاتاً معتبراً وقد لا يكون ملتفتاً إليها أصلاً مثال الأول : قول القائل : ما جاء زيد ويكون قد جاء ومثال الثاني : ما جاء يوم الجمعة ومثال الثالث : ما جاء بكرة يوم الجمعة ويكون قد جاء بكرة يوم الجمعة وما جاء أول بكرة يوم الجمعة والثاني دون الأول والرابع دون الكل/ فإذا قال القائل : ما أعرف كلمة كاذبة نفى عنه الكذب في الإخبار وفي صفته والذي يقول : ما عرفت حرفاً واحداً نفى أمراً وراءه، والذي يقول : ما عرفت أعرافة واحدة يكون فوق ذلك فقوله :﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ﴾ أي من يغير تغييراً ولو كان يسيراً.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٨٩
٣٩٠
أي كانت الأرض كثيباً مرتفعاً والجبال مهيلاً منبسطاً، وقوله تعالى :﴿فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنابَثًّا﴾ كقوله تعالى في وصف الجبال :﴿كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ﴾ (القارعة : ٥) وقد تقدم بيان فائدة ذكر المصدر وهي أنه يفيد أن الفعل كان قولاً معتبراً ولم يكن شيئاً لا يلتفت إليه، ويقال فيه : إنه ليس بشيء فإذا قال القائل : ضربته ضرباً معتبراً لا يقول القائل فيه : ليس بضرب محتقراً له كما يقال : هذا ليس بشيء، والعامل في :﴿إِذَا رُجَّتِ﴾ / يحتمل وجوهاً أحدها : أن يكون إذا رجت بدلاً عن إذا وقعت فيكون العامل فيها ما ذكرنا من قبل ثانيها : أن يكون العامل في :﴿إِذَا وَقَعَتِ﴾ (الواقعة : ١) هو قوله :﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا﴾ (الواقعة : ٢) والعامل في :﴿إِذَا رُجَّتِ﴾ هو قوله :﴿خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ﴾ (الواقعة : ٣) تقديره تخفض الواقعة وترفع وقت رج الأرض وبس الجبال والفاء للترتيب الزماني لأن الأرض مالم تتحرك والجبال مالم تنبس لا تكون هباء منبثاً، والبس التقليب، والهباء هو الهواء المختلط بأجزاء أرضية تظهر في خيال الشمس إذا وقع شعاعها في كوة، وقال : الذين يقولون : إن بين الحروف والمعاني مناسبة إن الهواء إذا خالطه أجزاء ثقيلة أرضية ثقل من لفظه حرف فأبدلت الواو الخفيفة بالباء التي لا ينطق بها إلا بإطباق الشفتين بقوة ما لو في الباء ثقل ما.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٩٠
٣٩١
أي في ذلك اليوم أنتم أزواج ثلاثة أصناف وفسرها بعدها بقوله :﴿فَأَصْحَـابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَـابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ وفيه مسائل :


الصفحة التالية
Icon