المسألة الثانية :﴿ أولئك الْمُقَرَّبُونَ﴾ يقتضي الحصر فينبغي أن لا يكون غيرهم مقرباً، وقد قال في حق الملائكة إنهم مقربون، نقول :﴿ أولئك الْمُقَرَّبُونَ﴾ من الأزواج الثلاثة، فإن قيل :﴿فَأَصْحَـابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ ليسوا من المقربين، نقول : للتقريب درجات ﴿وَالسَّـابِقُونَ﴾ في غاية القرب، ولا حد هناك، ويحتمل وجهاً آخر، وهو أن يقال : المراد السابقون مقربون من الجنات حال كون أصحاب اليمين متوجهين إلى طريق الجنة لأنه بمقدار ما يحاسب المؤمن حساباً يسيراً ويؤتى كتابه بيمينه يكون السابقون قد قربوا من المنزل أو قربهم إلى الله في الجنة وأصحاب اليمين بعد متوجهون إلى ما وصل إليه المقربون، ثم إن السير والارتفاع لا ينقطع فإن السير في الله لا انقطاع له، والارتفاع لا نهاية له، فكلما تقرب أصحاب اليمين من درجة السابق، يكون قد انتقل هو إلى موضع أعلى منه، فأولئك هم المقربون في جنات النعيم، في أعلى عليين حال وصول أصحاب اليمين إلى الحور العين.
المسألة الثالثة : بعد بيان أقسام الأزواج لم يعد إلى بيان حالهم على ترتيب ذكرهم، بل بين حال السابقين مع أنه أخرهم، وأخر ذكر أصحاب الشمال مع أنه قدمهم أولاً في الذكر على السابقين، نقول : قد بينا أن عند ذكر الواقعة قدم من ينفعه ذكر الأهوال، وأخر من لا يختلف حاله بالخوف والرجاء، وأما عند البيان فذكر السابق لفضيلته وفضيلة حاله.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٩٢
٣٩٣
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : عرف النعيم باللام ههنا وقال في آخر السورة :﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾ (الواقعة : ٨٩) بدون اللام، والمذكور في آخر السورة هو واحد من السابقين فله جنة من هذه الجنات وهذه معرفة بالإضافة إلى المعرفة، وتلك غير معرفة فما الفرق بينهما ؟
فنقول : الفرق لفظي ومعنوي فاللفظي هو أن السابقين معرفون باللام المستغرقة لجنسهم، فجعل موضع المعرفين معرفاً، وأما هناك فهو غير معرف، لأن قوله :﴿إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ (الواقعة : ٨٨) أي إن كان فرداً منهم فجعل موضعه غير معرف / مع جواز أن يكون الشخص معرفاً وموضعه غير معرف، كما قال تعالى :﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـاتٍ وَعُيُونٍ﴾ (الذاريات : ١٥) و﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـاتٍ وَنَهَرٍ﴾ (القمر : ٥٤) وبالعكس أيضاً، وأما المعنوي : فنقول : عند ذكر الجمع جمع الجنات في سائر المواضع فقال تعالى :﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـاتٍ﴾ وقال تعالى :﴿ أولئك الْمُقَرَّبُونَ * فِى جَنَّـاتِ النَّعِيمِ﴾ (الواقعة : ١١، ١٢) لكن السابقون نوع من المتقين، وفي المتقين غير السابقون أيضاً، ثم إن السابقين لهم منازل ليس فوقها منازل، فهي صارت معروفة لكونها في غاية العلو أو لأنها لا أحد فوقها، وأما باقي المتقين فلكل واحد مرتبة وفوقها مرتبة فهم في جنات متناسبة في المنزلة لا يجمعها صقع واحد لاختلاف منازلهم، وجنات السابقين على حد واحد في على عليين يعرفها كل أحد، وأما الواحد منهم فإن منزلته بين المنازل، ولا يعرف كل أحد أنه لفلان السابق فلم يعرفها، وأما منازلهم فيعرفها كل أحد، ويعلم أنها للسابقين، ولم يعرف الذي للمتقين على وجه كذا.
المسألة الثانية : إضافة الجنة إلى النعيم من أي الأنواع ؟
نقول : إضافة المكان إلى ما يقع في المكان يقال : دار الضيافة، ودار الدعوة، ودار العدل، فكذلك جنة النعيم، وفائدتها أن الجنة في الدنيا قد تكون للنعيم، وقد تكون للاشتغال والتعيش بأثمان ثمارها، بخلاف الجنة في الآخرة فإنها للنعيم لا غير.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٩٣


الصفحة التالية
Icon