فالمسألة الأولى : هو أن يقال : جواب ﴿لَّوْ تَعْلَمُونَ﴾ ماذا، وربما يقول بعض من لا يعلم : إن جوابه ما تقدم وهو فاسد في جميع المواضع، لأن جواب الشرط لا يتقدم، وذلك لأن عمل الحروف في معمولاتها لا يكون قبل وجودها، فلا يقال : زيداً إن قام ولا غيره من الحروف والسر فيه أن عمل الحروف مشبه بعمل المعاني، ويميز بين الفاعل والمفعول وغيرهما، فإذا كان العامل معنى لا موضع له في الحس فيعلم تقدمه وتأخر مدرك بالحس، جاز أن يقال : قائماً ضربت زيد، أو ضرباً شديداً ضربته، وأما الحروف فلها تقدم وتأخر مدرك بالحس فلم يمكن بعد علمنا بتأخرها فرض وجودها متقدمة بخلاف المعاني، إذا ثبت هذا فنقول : عمل حرف الشرط في المعنى إخراج كل واحدة من الجملتين عن كونها جملة مستقلة، فإذا قلت : من، وأن، لا يمكن إخراج الجملة الأولى عن كونها جملة بعد وقوعها جمل، ليعلم أن حرفها أضعف من عمل المعنى لتوقفه على / عمله مع أن المعنى أمكن فرضه متقدماً ومتأخراً/ وعمل الأفعال عمل معنوي، وعمل الحروف عمل مشبه بالمعنى، إذا ثبت هذا فنقول في قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِه ا وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّءَا﴾ (يوسف : ٢٤) قال بعض الوعاظ متعلق بلولا، فلا يكون الهم وقع منه، وهو باطل لما ذكرنا، وهنا أدخل في البطلان، لأن المتقدم لا يصلح جزاء للمتأخر، فإن من قال : لو تعلمون إن زيداً لقائم، لم يأت بالعربية، إذا تبين هذا فالقول يحتمل وجهين أحدهما : أن يقال : الجواب محذوف بالكلية لم يقصد بذلك جواب، وإنما يراد نفي ما دخلت عليه لو، وكأنه قال : وإنه لقسم لا تعلمون، وتحقيقه أن لو تذكر لامتناع الشيء لامتناع غيره، فلا بد من انتفاء الأول، فإدخال لو على تعلمون أفادنا أن علمهم منتف، سواء علمنا الجواب أو لم نعلم، وهو كقولهم في الفعل المتعدي فلان يعطى ويمنع، حيث لا يقصد به مفعول، وإنما يراد إثبات القدرة، وعلى هذا إن قيل : فما فائدة العدول إلى غير الحقيقة، وترك قوله : إنه لقسم ولا تعلمون ؟
فنقول : فائدته تأكيد النفي، لأن من قال : لو تعلمون كان ذلك دعوى منه، فإذا طولب وقيل : لم قلت إنا لا نعلم يقول : لو تعلمون لفعلتم كذا، فإذا قال في ابتداء الأمر : لا تعلمون كان مريداً للنفي، فكأنه قال : أقول : إنكم لا تعلمون قولاً من غير تعلق بدليل وسبب وثانيهما : أن يكون له جواب تقديره : لو تعلمون لعظمتموه لكنكم ما عظمتموه، فعلم أنكم لا تعلمون، إذ لو تعلمون لعظم في أعينكم، ولا تعظيم فلا تعلمون.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٣٤
المسألة الثانية : إن قيل قوله :﴿لَّوْ تَعْلَمُونَ﴾ هل له مفعول أم لا ؟
قلنا : على الوجه الأول لا مفعول له، كما في قولهم : فلان يعطي ويمنع، وكأنه قال : لا علم لكم، ويحتمل أن يقال : لا علم لكم بعظم القسم، فيكون له مفعول، والأول أبلغ وأدخل في الحسن، لأنهم لا يعلمون شيئاً أصلاً لأنهم لو علموا لكان أولى الأشياء بالعلم هذه الأمور الظاهرة بالبراهين القاطعة، فهو كقوله :﴿صُمُّا بُكْمٌ﴾ (الفرقان : ٤٤) وقوله :﴿كَالانْعَـامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ وعلى الثاني أيضاً يحتمل وجهين أحدهما : لو كان لكم علم بالقسم لعظمتموه وثانيهما : لو كان لكم علم بعظمته لعظمتموه.
المسألة الثالثة : كيف تعلق قوله تعالى :﴿لَّوْ تَعْلَمُونَ﴾ بما قبله وما بعده ؟
فنقول : هو كلام اعتراض في أثناء الكلام تقديره : وإنه لقسم عظيم لو تعلمون لصدقتم، فإن قيل : فما فائدة الاعتراض ؟
نقول : الاهتمام بقطع اعتراض المعترض، لأنه لما قال :﴿وَإِنَّه لَقَسَمٌ﴾ أراد أن يصفه بالعظمة بقوله : عظيم والكفار كانوا يجهلون ذلك ويدعون العلم بأمور النجم، وكانوا يقولون : لو كان كذلك فما باله لا يحصل لنا علم وظن، فقال : لو تعلمون لحصل لكم القطع، وعلى ما ذكرنا الأمر أظهر من هذا، وذلك لأنا قلنا : إن قوله :﴿لا أُقْسِمُ﴾ معناه الأمر واضح من أن يصدق بيمين، والكفار كانوا يقولون : أين الظهور ونحن نقطع بعدمه، فقال : لو تعلمون شيئاً لما كان كذلك، والأظهر منه أنا بينا أن كل ما جعله الله قسماً فهو في نفسه دليل على المطلوب وأخرجه مخرج القسم، فقوله :﴿وَإِنَّه لَقَسَمٌ﴾ معناه عند التحقيق، وإنه دليل وبرهان قوي لو تعلمون وجهه لاعترفتم بمدلوله، وهو التوحيد / والقدرة على الحشر، وذلك لأن دلالة اختصاص الكواكب بمواضعها في غاية الظهور ولا يلزم الفلاسفة دليل أظهر منه، وأما المعنوية :
فالمسألة الأولى : ما المقسم عليه ؟
نقول : فيه وجهان الأول : القرآن كانوا يجعلونه تارة شعراً وأخرى سحراً وغير ذلك وثانيهما : هو التوحيد والحشر وهو أظهر، وقوله :﴿لَقُرْءَانٌ﴾ ابتداء كلام وسنبين ذلك.