المسألة الثالثة : رجل تحته أربعة نسوة فظاهر منهن بكلمة واحدة وقال : أنتن علي كظهر أمي، للشافعي قولان : أظهرهما أنه يلزمه أربع كفارات، نظراً إلى عدد اللواتي ظاهر منهن، ودليله ما ذكرنا، أنه ظاهر عن هذه، فلزمه كفارة بسبب هذا الظهار، وظاهر أيضاً عن تلك، فالظهار الثاني لا بد وأن يوجب كفارة أخرى.
المسألة الرابعة : الآية تدل على إيجاب الكفارة قبل المماسة، فإن جامع قبل أن يكفر لم يجب عليه إلا كفارة واحدة، وهو قول أكثر أهل العلم، كمالك وأبي حنيفة والشافعي وسفيان وأحمد وإسحق رحمهم الله، وقال بعضهم : إذا واقعها قبل أن يكفر فعليه كفارتان، وهو قول عبدالرحمن بن مهدي دليلنا أن الآية دلت على أنه يجب على المظاهر كفارة قبل العود، فههنا فاتت صفة القبلية، فيبقى أصل وجوب الكفارة، وليس في الآية دلالة على أن ترك التقديم يوجب كفارة أخرى.
المسألة الخامسة : الأظهر أنه لا ينبغي للمرأة أن تدعه يقربها حتى يكفر، فإن تهاون بالتكفير حال الإمام بينه وبينها ويجبره على التكفير، وإن كان بالضرب حتى يوفيها حقها من الجماع، قال الفقهاء : ولا شيء من الكفارات يجبر عليه ويحبس إلا كفارة الظهار وحدها، لأن ترك التكفير إضرار بالمرأة وامتناع من إيفاء حقها.
المسألة السادسة : قال أبو حنيفة رحمه الله هذه الرقبة تجزىء سواء كانت مؤمنة أو كافرة، لقوله تعالى :﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ فهذا اللفظ يفيد العموم في جميع الرقاب، وقال الشافعي : لا بد وأن تكون مؤمنة ودليله وجهان الأول : أن المشرك نجس، لقوله تعالى :﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ (التوبة : ٢٨) وكل نجس خبيث بإجماع الأمة وقال تعالى :﴿وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ﴾ (البقرة : ٢٦٧) الثاني : أجمعنا على أن الرقبة في كفارة القتل مقيدة بالإيمان، فكذا ههنا، والجامع أن الإعتاق إنعام، فتقييده بالإيمان يقتضي صرف هذا الإنعام إلى أولياء الله وحرمان أعداء الله، وعدم التقييد بالإيمان قد يفضي إلى حرمان أولياء الله، فوجب أن يتقيد بالإيمان تحصيلاً لهذه المصلحة.
المسألة السابعة : إعتاق المكاتب لا يجزىء عند الشافعي رحمه الله، وقال أبو حنيفة رحمه الله إن أعتقه قبل أن يؤدي شيئاً جاز عن الكفارة، وإذا أعتقه بعد أن يؤدي شيئاً، فظاهر الرواية أنه لا يجزىء، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يجزىء، حجة أبي حنيفة أن المكاتب رقبة / لقوله تعالى :﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ (البقرة : ١١٧) والرقبة مجزئة لقوله تعالى :﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾، حجة الشافعي أن المقتضى لبقاء التكاليف بإعتاق الرقبة قائم، بعد إعتاق المكاتب، وما لأجله ترك العمل به في محل الرقاب غير موجود ههنا، فوجب أن يبقى على الأصل، بيان المقتضي أن الأصل في الثابت البقاء على ما كان، بيان الفارق أن المكاتب كالزائل عن ملك المولى وإن لم يزل عن ملكه، لكنه يمكن نقصان في رقه، بدليل أنه صار أحق بمكاسبه، ويمتنع على المولى التصرفات فيه، ولو أتلفه المولى يضمن قيمته، ولو وطىء مكاتبته يغرم المهر، ومن المعلوم أن إزالة الملك الخالص عن شوائب الضعف أشق على المالك من إزالة الملك الضعيف، ولا يلزم من خروج الرجل عن العهدة بإعتاق العبد القن خروجه عن العهدة بإعتاق المكاتب، والوجه الثاني : أجمعنا على أنه لو أعتقه الوارث بعد موته لا يجزىء عن الكفارة، فكذا إذا أعتقه المورث والجامع كون الملك ضعيفاً.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٨٨
المسألة الثامنة : لو اشترى قريبه الذي يعتق عليه بنية الكفارة عتق عليه، لكنه لا يقع عن الكفارة عند الشافعي، وعند أبي حنيفة يقع/ حجة أبي حنيفة التمسك بظاهر الآية، وحجة الشافعي ما تقدم.
المسألة التاسعة : قال أبو حنيفة : الإطعام في الكفارات يتأدى بالتمكين من الطعام، وعند الشافعي لا يتأدى إلا بالتمليك من الفقير، حجة أبي حنيفة ظاهر القرآن وهو أن الواجب هو الإطعام، وحقيقة الإطعام هو التمكين، بدليل قول تعالى :﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ (المائدة : ٨٩) وذلك يتأدى بالتمكين والتمليك، فكذا ههنا، وحجة الشافعي القياس عن الزكاة وصدقة الفطر.
المسألة العاشرة : قال الشافعي : لكل مسكين مد من طعام بلده الذي يقتات منه حنطة أو شعيراً أو أرزاً أو تمراً أو أقطاً، وذلك بمد النبي صلى الله عليه وسلّم ولا يعتبر مد حدث بعده، وقال أبو حنيفة : يعطى كل مسكين نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير ولا يجزئه دون ذلك، حجة الشافعي أن ظاهر الآية يقتضي الإطعام، ومراتب الإطعام مختلفة بالكمية والكيفية، فليس حمل اللفظ على البعض أولى من حمله على الباقي، فلا بد من حمله على أقل مالا بد منه ظاهراً، وذلك هو المد، حجة أبي حنيفة ما روي في حديث أوس بن الصامت :"لكل مسكين نصف صاع من بر" وعن علي وعائشة قالا : لكل مسكين مدان من بر، ولأن المعتبر حاجة اليوم لكل مسكين، فيكون نظير صدقة الفطر، ولا يتأدى ذلك بالمد، بل بما قلنا، فكذلك هنا.


الصفحة التالية
Icon