المسألة الحادية عشرة : لو أطعم مسكيناً واحداً ستين مرة لا يجزىء عند الشافعي، وعند أبي حنيفة يجزىء، حجة الشافعي ظاهر الآية، وهو أنه أوجب إطعام ستين مسكيناً، فوجب رعاية ظاهر الآية، وحجة أبي حنيفة أن المقصود دفع الحاجة وهو حاصل، وللشافعي أن يقول : التحكمات غالبة على هذه التقديرات، فوجب الامتناع فيها من القياس، وأيضاً فلعل إدخال السرور / في قلب ستين إنساناً، أقرب إلى رضا الله تعالى من إدخال السرور في قلب الإنسان الواحد.
المسألة الثانية عشرة : قال أصحاب الشافعي : إنه تعالى قال في الرقبة :﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ﴾ وقال في الصوم :﴿فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ﴾ فذكر في الأول :﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾ وفي الثاني :﴿فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ﴾ فقالوا : من ماله غائب لم ينتقل إلى الصوم بسبب عجزه عن الإعتاق في الحال أما من كان مريضاً في الحال، فإنه ينتقل إلى الإطعام وإن كان مرضه بحيث يرجى زواله، قالوا : والفرق أنه قال في الانتقال إلى الإطعام :﴿فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ﴾ وهو بسبب المرض الناجز، والعجز العاجل غير مستطيع، وقال في الرقبة :﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾ والمراد فمن لم يجد رقبة أو مالاً يشتري به رقبة، ومن ماله غائب لا يسمى فاقداً للمال، وأيضاً يمكن أن يقال في الفرق إحضار المال يتعلق باختياره وأما إزالة المرض فليس باختياره.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٨٨
المسألة الثالثة عشرة : قال بعض أصحابنا : الشبق المفرط والغلمة الهائجة، عذر في الانتقال إلى الإطعام، والدليل عليه أنه عليه السلام لما أمر الأعرابي بالصوم قال له : وهل أتيت إلا من قبل الصوم فقال عليه السلام أطعم" دل الحديث على أن الشبق الشديد عذر في الانتقال من الصوم إلى الإطعام، وأيضاً الاستطاعة فوق الوسع، والوسع فوق الطاقة، فالاستطاعة هو أن يتمكن الإنسان من الفعل على سبيل السهولة، ومعلوم أن هذا المعنى لا يتم مع شدة الشبق، فهذه جملة مختصرة مما يتعلق بفقه القرآن في هذه الآية، والله أعلم.
قوله تعالى :﴿ذَالِكُمْ تُوعَظُونَ بِه ا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ قال الزجاج :﴿ذَالِكُمْ﴾ للتغليظ في الكفارة ﴿تُوعَظُونَ بِه ﴾ أي أن غلظ الكفارة وعظ لكم حتى تتركوا الظهار ولا تعاودوه/ وقال غيره ﴿ذَالِكُمْ تُوعَظُونَ بِه ﴾ أي تؤمرون به من الكفارة ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ من التكفير وتركه.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٨٨
٤٨٨
ثم ذكر تعالى حكم العاجز عن الرقبة فقال :﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ﴾ فدلت الآية على أن التتابع شرط، وذكر في تحرير الرقبة والصوم أنه لا بد وأن يوجدا من قبل أن يتماسا، ثم ذكر تعالى أن من لم يستطع ذلك فإطعام ستين مسكيناً، ولم يذكر أنه لا بد من وقوعه قبل المماسة، إلا أنه كالأولين بدلالة الإجماع، والمسائل الفقهية المفرعة على هذه الآية كثيرة مذكورة في كتاب الفقه.
ثم قال تعالى :﴿ذَالِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه ا وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّه وَلِلْكَـافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وفي قوله :﴿ذَالِكَ﴾ وجهان الأول : قال الزجاج : إنه في محل الرفع، والمعنى الفرض ذلك الذي وضعناه، الثاني : فعلنا ذلك البيان والتعليم للأحكام لتصدقوا بالله ورسوله في العمل بشرائعه، ولا تستمروا على أحكام الجاهلية من جعل الظهار أقوى أنواع الطلاق، وفي الآية مسائل.
المسألة الأولى : استدلت المعتزلة باللام في قوله :﴿لِتُؤْمِنُوا ﴾ على أن فعل الله معلل بالغرض وعلى أن غرضه أن تؤمنوا بالله، ولا تستمروا على ما كانوا عليه في الجاهلية من الكفر، وهذا يدل على أنه تعالى أراد منهم الإيمان وعدم الكفر.
المسألة الثانية : استدل من أدخل العمل في مسمى الإيمان بهذه الآية، فقال : أمرهم بهذه الأعمال، وبين أنه أمرهم بها ليصيروا بعملها مؤمنين، فدلت الآية على أن العمل من الإيمان ومن أنكر ذلك قال : إنه تعالى لم يقل :(ذلك لتؤمنوا بالله بعمل هذه الأشياء)، ونحن نقول المعنى ذلك لتؤمنوا بالله بالإقرار بهذه الأحكام، ثم إنه تعالى أكد في بيان أنه لا بد لهم من الطاعة ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّه وَلِلْكَـافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي لمن جحد هذا وكذب به.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٨٨
٤٩١
وفيه مسألتان :


الصفحة التالية
Icon