المسألة الرابعة : جر ثلاثة في قوله :﴿مِن نَّجْوَى ثَلَـاثَةٍ﴾ يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون مجروراً بالإضافة والثاني : أن يكون النجوى بمعنى المتناجين، ويكون التقدير : ما يكون من متناجين ثلاثة فيكون صفة.
المسألة الخامسة : قرأ ابن أبي عبلة (ثلاثة) و(خمسة) بالنصب على الحال، بإضمار يتناجون لأن نجوى يدل عليه.
المسألة السادسة : أنه تعالى ذكر الثلاثة والخمسة، وأهمل أمر الأربعة في البين، وذكروا فيه وجوهاً : أحدها : أن هذا إشارة إلى كمال الرحمة، وذلك لأن الثلاثة إذا اجتمعوا، فإذا أخذ إثنان في التناجي والمشاورة، بقي الواحد ضائعاً وحيداً، فيضيق قلبه فيقول الله تعالى : أنا جليسك وأنيسك، وكذلك الخمسة إذا اجتمعوا بقي الخامس وحيداً فريداً، أما إذا كانوا أربعة لم يبق واحد منهم فريداً، / فهذا إشارة إلى أن كل من انقطع عن الخلق ما يتركه الله تعالى ضائعاً وثانيها : أن العدد الفرد أشرف من الزوج، لأن الله وتر يحب الوتر، فخص الأعداد الفرد بالذكر تنبيهاً على أنه لا بد من رعاية الأمور الإلهية في جميع الأمور وثالثها : أن أقل مالا بد منه في المشاورة التي يكون الغرض منها تمهيد مصلحة ثلاثة، حتى يكون الإثنان كالمتنازعين في النفي والإثبات، والثالث كالمتوسط الحاكم بينهما، فحينئذ تكمل تلك المشورة ويتم ذلك الغرض، وهكذا في كل جمع اجتمعوا للمشاورة، فلا بد فيهم من واحد يكون حكماً مقبول القول، فلهذا السبب لا بد وأن تكون أرباب المشاورة عددهم فرداً، فذكر سبحانه الفردين الأولين واكتفى بذكرهما تنبيهاً على الباقي ورابعها : أن الآية نزلت في قوم من المنافقين، اجتمعوا على التناجي مغايظة للمؤمنين، وكانوا على هذين العددين، قال ابن عباس نزلت هذه الآية في ربيعة وحبيب ابني عمرو، وصفوان بن أمية، كانوا يوماً يتحدثون، فقال أحدهم : هل يعلم الله ما تقول ؟
وقال الثاني : يعلم البعض دون البعض، وقال الثالث : إن كان يعلم البعض فيعلم الكل وخامسها : أن في مصحف عبدالله :(ما يكون من نجوى ثلاثة إلا الله رابعهم، ولا أربعة إلا الله خامسهم، ولا خمسة إلا الله سادسهم، ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا الله معهم إذا أخذوا في التناجي).
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٩٢
المسألة السابعة : قرىء :﴿وَلا أَدْنَى مِن ذَالِكَ وَلا أَكْثَرَ﴾ بالنصب على أن لا لنفي الجنس، ويجوز أن يكون ﴿وَلا أَكْثَرَ﴾ بالرفع معطوفاً على محل (لا) مع (أدنى)، كقولك : لا حول ولا قوة إلا بالله، بفتح الحول ورفع القوة والثالث : يجوز أن يكونا مرفوعين على الابتداء، كقولك : لا حول ولا قوة إلا بالله والرابع : أن يكون ارتفاعهما عطفاً على محل ﴿مِن نَّجْوَى ﴾ كأنه قيل : ما يكون أدنى ولا أكثر إلا هو معهم، والخامس : يجوز أن يكونا مجروروين عطفاً على ﴿نَّجْوَى ﴾ كأنه قيل : ما يكون من أدنى ولا أكثر إلا هو معهم.
المسألة الثامنة : قرىء :﴿وَلا أَكْبَرَ﴾ بالباء المنقطعة من تحت.
المسألة التاسعة : المراد من كونه تعالى رابعاً لهم، والمراد من كونه تعالى معهم كونه تعالى عالماً بكلامهم وضميرهم وسرهم وعلنهم، وكأنه تعالى حاضر معهم ومشاهد لهم، وقد تعالى عن المكان والمشاهدة.
المسألة العاشرة : قرأ بعضهم :﴿ثُمَّ يُنَبِّئُهُم﴾ بسكون النون، وأنبأ ونبأ واحد في المعنى، وقوله :﴿ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ أي يحاسب على ذلك ويجازي على قدر الاستحقاق، ثم قال :﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ﴾ وهو تحذير من المعاصي وترغيب في الطاعات.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٩٢
٤٩٣
ثم إنه تعالى بين حال أولئك الذين نهوا عن النجوى فقال :﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ واختلفوا في أنهم من هم ؟
فقال الأكثرون : هم اليهود، ومنهم من قال : هم المنافقون، ومنهم من قال : فريق من الكفار، والأول أقرب، لأنه تعالى حكى عنهم فقال :﴿وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾، وهذا الجنس فيما روي وقع من اليهود، فقد كانوا إذا سلموا على الرسول عليه السلام قالوا : السام عليك، يعنون الموت، والأخبار في ذلك متظاهرة، وقصة عائشة فيها مشهورة.
ثم قال تعالى :﴿وَيَتَنَـاجَوْنَ بِالاثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ﴾ وفيه مسألتان :


الصفحة التالية
Icon