السؤال الأول : ما معنى هذه اللام في قوله :﴿لاوَّلِ الْحَشْرِ ﴾ الجواب : إنها هي اللام في قولك : جئت لوقت كذا، والمعنى : أخرج الذين كفروا عند أول الحشر. السؤال الثاني : ما معنى أول الحشر ؟
الجواب : أن الحشر هو أخراج الجمع من مكان إلى مكان، وإما أنه لم سمي هذا الحشر بأول الحشر فبيانه من وجوه : أحدها : وهو قول ابن عباس والأكثرين إن هذا أول حشر أهل الكتاب، أي أول مرة حشروا وأخرجوا من جزيرة / العرب لم يصبهم هذا الذل قبل ذلك، لأنهم كانوا أهل منعة وعز وثانيها : أنه تعالى جعل إخراجهم من المدينة حشراً، وجعله أول الحشر من حيث يحشر الناس للساعة إلى ناحية الشام، ثم تدركهم الساعة هناك وثالثها : أن هذا أول حشرهم، وأما آخر حشرهم فهو إجلاء عمر إياهم من خيبر إلى الشام ورابعها : معناه أخرجهم من ديارهم لأول ما يحشرهم لقتالهم، لأنه أول قتال قاتلهم رسول الله وخامسها : قال قتادة هذا أول الحشر، والحشر الثاني نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وذكروا أن تلك النار ترى بالليل ولا ترى بالنهار.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٥٠٤
٥٠٥
قوله تعالى :﴿مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ﴾.
قال ابن عباس : إن المسلمين ظنوا أنهم لعزتهم وقوتهم لا يحتاجون إلى أن يخرجوا من ديارهم، وإنما ذكر الله تعالى ذلك تعظيماً لهذه النعمة، فإن النعمة إذا وردت على المرء والظن بخلافه تكون أعظم، فالمسلمون ما ظنوا أنهم يصلون إلى مرادهم في خروج هؤلاء اليهود، فيتخلصون من ضرر مكايدهم، فلما تيسر لهم ذلك كان توقع هذه النعمة أعظم.
قوله تعالى :﴿وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ﴾.
قالوا كانت حصونهم منيعة فظنوا أنها تمنعهم من رسول الله، وفي الآية تشريف عظيم لرسول الله، فإنها تدل على أن معاملتهم مع رسول الله هي بعينها نفس المعاملة مع الله، فإن قيل : ما الفرق بين قولك : ظنوا أن حصونهم تمنعهم أو مانعتهم وبين النظم الذي جاء عليه، قلنا : في تقديم الخبر على المبتدأ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم، وفي تصيير ضميرهم إسماً، وإسناد الجملة إليه دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالون بأحد يطمع في منازعتهم، وهذه المعاني لا تحصل في قولك : وظنوا أن حصونهم تمنعهم.
قوله تعالى :﴿فَأَتَـاـاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ﴾ في الآية مسائل :
المسألة الأولى : في الآية وجهان الأول : أن يكون الضمير في قوله :﴿فَأَتَـاـاهُمُ﴾ عائد إلى اليهود، أي فأتاهم عذاب الله وأخذهم من حيث لم يحتسبوا والثاني : أن يكون عائداً إلى المؤمنين أي فأتاهم نصر الله وتقويته من حيث لم يحتسبوا، ومعنى : لم يحتسبوا، أي لم يظنوا ولم يخطر ببالهم، وذلك بسبب أمرين أحدهما : قتل رئيسهم كعب بن الأشرف على يد أخيه غيلة، وذلك مما أضعف قوتهم، وفتت عضدهم، وقل من شوكتهم والثاني : بما قذف في قلوبهم من الرعب.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٥٠٥
المسألة الثانية : قوله :﴿فَأَتَـاـاهُمُ اللَّهُ﴾ لا يمكن إجراؤه على ظاهره باتفاق جمهور العقلاء، فدل على أن باب التأويل مفتوح، وأن صرف الآيات عن ظواهرها بمقتضى الدلائل العقلية جائز.
المسألة الثالثة : قال صاحب الكشاف : قرىء ﴿فَأَتَـاـاهُمُ اللَّهُ﴾ أي فآتاهم الهلاك، واعلم أن هذه القراءة لا تدفع ما بيناه من وجوه التأويل، لأن هذه القراءة لا تدفع القراءة الأولى، فإنها ثابتة بالتواتر، ومتى كانت ثابتة بالتواتر لا يمكن دفعها، بل لا بد فيها من التأويل.
قوله تعالى :﴿وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ﴾ قال أهل اللغة : الرعب، الخوف الذي يستوعب الصدر، أي يملؤه، وقذفه إثباته فيه، وفيه قالوا في صفة الأسد : مقذف، كأنما قذف باللحم قذفاً لاكتنازه وتداخل أجزائه، واعلم أن هذه الآية تدل على قولنا من أن الأمور كلها لله، وذلك لأن الآية دلت على أن وقوع ذلك الرعب في قلوبهم كان من الله ودلت على أن ذلك الرعب سبباً في إقدامهم على بعض الأفعال، وبالجملة فالفعل لا يحصل إلا عند حصول داعية متأكدة في القلب، وحصول تلك الداعية لا يكون إلا من الله، فكانت الأفعال بأسرها مسندة إلى الله بهذا الطريق.
قوله تعالى :﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ﴾ فيه مسائل :
المسألة الأولى : قال أبو علي : قرأ أبو عمرو وحده :﴿يُخْرِبُونَ﴾ مشددة، وقرأ الباقون :﴿يُخْرِبُونَ﴾ خفيفة، وكان أبو عمرو يقول : الإخراب أن يترك الشيء خراباً والتخريب الهدم، وبنو النضير خربوا وما أخربوا قال المبرد : ولا أعلم لهذا وجهاً، ويخربون هو الأصل خرب المنزل، فإنما هو تكثير، لأنه ذكر بيوتاً تصلح للقليل والكثير، وزعم سيبويه أنهما يتعاقبان في الكلام، فيجري كل واحد مجرى الآخر، نحو فرحته وأفرحته، وحسنه الله وأحسنه، وقال الأعمش :
وأخربت من أرض قوم دياراً


الصفحة التالية
Icon