جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٥١٤
٥١٥
وقيل : السر والعلانية وقيل : الدنيا والآخرة.
اعلم أنه تعالى قدم الغيب على الشهادة في اللفظ وفيه سر عقلي، أما المفسرون فذكروا أقوالاً في الغيب والشهادة، فقيل : الغيب المعدوم، والشهادة الموجود ما غاب عن العباد وما شاهدوه.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٥١٥
٥١٥
ثم قال :﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِى لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ﴾ وكل ذلك قد تقدم تفسيره.
ثم قال :﴿الْقُدُّوسُ﴾ قرىء : بالضم والفتح، وهو البليغ في النزاهة في الذات والصافات، والأفعال والأحكام والأسماء، وقد شرحناه في أول سورة الحديد، ومضى شيء منه في تفسير قوله :﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ (البقرة : ٣٠) وقال الحسن : إنه الذي كثرت بركاته.
وقوله :﴿السَّلَـامُ﴾ فيه وجهان الأول : أنه بمعنى السلامة ومنه دار السلام، وسلام عليكم وصف به مبالغة في كونه سليماً من النقائص كما يقال : رجاء، وغياث، وعدل فإن قيل فعلى هذا التفسير لايبقى بين القدوس، وبين السلام فرق، والتكرار خلاف الأصل، قلنا : كونه قدوساً، إشارة إلى براءته عن جميع العيوب في الماضي والحاضر، كونه : سليماً، إشارة إلى أنه لا يطرأ عليه شيء من العيوب في الزمان المستقبل فإن الذي يطرأ عليه شيء من العيوب، فإنه تزول سلامته ولا يبقى سليماً الثاني : أنه سلام بمعنى كونه موجباً للسلامة.
وقوله :﴿الْمُؤْمِنُ﴾ فيه وجهان الأول : أنه الذي آمن أولياءه عذابه، يقال : آمنه يؤمنه فهو مؤمن والثاني : أنه المصدق، إما على معنى أنه يصدق أنبياءه بإظهار المعجزة لهم، أو لأجل أن أمة محمد صلى الله عليه وسلّم يشهدون لسائر الأنبياء، كما قال :﴿لِّتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (البقرة : ١٤٣) ثم إن الله يصدقهم في تلك الشهادة، وقرىء بفتح الميم، يعني المؤمن به على حذف الجار كما حذف في قوله :﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَه ﴾ (الأعراف : ١٥٥).
وقوله :﴿الْمُهَيْمِنُ﴾ قالوا : معناه الشاهد الذي لا يغيب عنه شيء. ثم في أصله قولان، قال الخليل وأبو عبيدة : هيمن يهيمن فهو مهيمن إذا كان رقيب على الشيء، وقال آخرون : مهيمن أصله مؤيمن، من آمن يؤمن، فيكون بمعنى المؤمن، وقد تقدم استقصاؤه عند قوله :﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْه ﴾ (المائدة : ٤٨) وقال ابن الأنباري : المهيمن القائم على خلقه برزقه وأنشد :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٥١٥
ألا إن خير الناس بعد نبيه
مهيمنه التاليه في العرف والنكر
قال معناه : القائم على الناس بعده.
وما ﴿الْعَزِيزُ﴾ فهو إما الذي لا يوجد له نظير، وإما الغالب القاهر.
وأما ﴿الْجَبَّارُ﴾ ففيه وجوه أحدها : أنه فعال من جبر إذا أغنى الفقير، وأصلح الكسير. قال الأزهري : وهو لعمري جابر كل كسير وفقير، وهو جابر دينه الذي ارتضاه، قال العجاج :
قد جبر الدين الإله فجبر
والثاني : أن يكون الجبار من جبره على كذا إذا أكرهه على ما أراده، قال السدي : إنه الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما أراده، قال الأزهري : هي لغة تميم، وكثير من الحجازيين يقولونها، وكان الشافعي يقول : جبره السلطان على كذا بغير ألف. وجعل الفراء الجبار بهذا معنى / من أجبره، وهي اللغة المعروفة في الإكراه، فقال : لم أسمع فعالاً من أفعل إلا في حرفين، وهما جبار من أجبر، ودراك من أدرك، وعلى هذا القول الجبار هو القهار الثالث : قال ابن الأنباري : الجبار في صفة الله الذي لا ينال، ومنه قيل للنخلة التي فاتت يد المتناول : جبارة الرابع : قال ابن عباس : الجبار، هو الملك العظيم، قال الواحدي : هذا الذي ذكرناه من معاني الجبار في صفة الله، وللجبار معان في صفة الخلق أحدها : المسلط كقوله :﴿وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ﴾ (ق : ٤٥)، والثاني : العظيم الجسم كقوله :﴿إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾ (المائدة : ٢٢) والثالث : المتمرد عن عبادة الله، كقوله :﴿وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا﴾ مريم : ٣٢)، والرابع : القتال كقوله :﴿بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ (الشعراء : ١٣٠) وقوله :﴿إِن تُرِيدُ إِلا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِى الارْضِ﴾ (القصص : ١٩).


الصفحة التالية
Icon