الثاني : ما معنى :﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ نقول :﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنه خير لكم كان خيراً لكم، وهذه الوجوه للكشاف، وأما الغير فقال : الخوف من نفس العذاب لا من العذاب الأليم، إذ العذاب الأليم هو نفس العذاب مع غيره، والخوف من اللوازم كقوله تعالى :﴿وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران : ١٧٥) ومنها أن الأمر بالإيمان كيف هو بعد قوله :﴿ذَالِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ فنقول : يمكن أن يكون المراد من هذه الآية المنافقين، وهم الذين آمنوا في الظاهر، ويمكن أن يكون أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى فإنهم آمنوا بالكتب المتقدمة فكأنه قال : يا أيها الذين آمنوا بالكتب المتقدمة آمنوا بالله وبمحمد رسول الله، ويمكن أن يكون أهل الإيمان كقوله :﴿فَزَادَتْهُمْ إِيمَـانًا﴾ (التوبة : ١٢٤)، ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَـانًا﴾ (الفتح : ٤) وهو الأمر بالثبات كقوله :﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ (إبراهيم : ٢٧) وهو الأمر بالتجدد كقوله :﴿خَبِيرًا * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه ﴾ (النساء : ١٣٦) وفي قوله صلى الله عليه وسلّم :"من جدد وضوءه فكأنما جدد إيمانه"، ومنها : أن رجاء النجاة كيف هو إذا آمن بالله ورسوله، ولم يجاهد في سبيل الله، وقد علق بالمجموع، ومنها أن هذا المجموع وهو الإيمان بالله ورسوله والجهاد بالنفس والمال في سبيل الله خبر في نفس الأمر.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٣٧
٥٣٧
اعلم أن قوله تعالى :﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ جواب قوله :﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِه وَتُجَـاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (الصف : ١١) لما أنه في معنى الأمر، كما مر فكأنه قال : آمنوا بالله وجاهدوا في سبيل الله يغفر لكم، وقيل جوابه :﴿ذَالِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ (الصف : ١١) وجزم :﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ لما أنه ترجمة :﴿ذَالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ ومحله جزم، كقوله تعالى :﴿لَوْلا أَخَّرْتَنِى إِلَى ا أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن﴾ (المنافقون : ١٠) لأن محل ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ جزم على قوله :﴿لَوْلا أَخَّرْتَنِى ﴾ وقيل : جزم ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ بهل، لأنه في معنى الأمر، وقوله تعالى :﴿وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ﴾ إلى آخر الآية، من جملة ما قدم بيانه في التوراة، ولا يبعد أن يقال : إن الله تعالى رغبهم في هذه الآية إلى مفارقة مساكنهم وإنفاق أموالهم والجهاد، وهو قوله :﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ وقوله تعالى :﴿ذَالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ يعني ذلك الجزاء الدائم هو الفوز العظيم، وقد مر، وقوله تعالى :﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا ﴾ أي تجارة أخرى في العاجل مع ثواب الآجل، قال الفراء : وخصلة أخرى تحبونها في الدنيا مع ثواب الآخرة، وقوله تعالى :﴿نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ هو مفسر للأخرى، لأنه يحسن أن يكون :﴿نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ مفسراً للتجارة إذ النصر لا يكون تجارة لنا بل هو ريح للتجارة، وقوله تعالى :﴿وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ﴾ أي عاجل وهو فتح مكة، وقال الحسن : هو فتح فارس والروم، وفي ﴿تُحِبُّونَهَا ﴾ شيء من التوبيخ على محبة العاجل، ثم في اةية مباحث :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٣٧
الأول : قوله تعالى :﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ عطف على تؤمنون لأنه في معنى الأمر، كأنه قيل : آمنوا وجاهدوا يثبكم الله وينصركم، وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك. ويقال أيضاً : بم نصب من قرأ :﴿وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا﴾ (الصف : ١١)، فيقال : على الاختصاص، أو على تنصرون نصراً، ويفتح لكم فتحاً، أو على يغفر لكم، ويدخلكم ويؤتكم خيراً، ويرى نصراً وفتحاً، هكذا ذكر في الكشاف.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٣٧
٥٣٨
ثم قال تعالى :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّـانَ مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّه ﴾.


الصفحة التالية
Icon