فهم يطلبون الموت لا محالة إذا كانت الحالة هذه، وقوله تعالى :﴿وَلا يَتَمَنَّونَه ا أَبَدَا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ أي بسبب ما قدموا من الكفر وتحريف الآيات، وذكر مرة بلفظ التأكيد ﴿وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدَا ﴾ ومرة بدون لفظ التأكيد ﴿وَلا يَتَمَنَّونَه ﴾ وقوله :﴿وَاللَّهُ عَلِيمُا بِالظَّـالِمِينَ﴾ أي بظلمهم من تحريف الآيات وعنادهم لها، ومكابرتهم إياها.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٤٤
٥٤٥
يعني أن الموت الذي تفرون منه بما قدمت أيديكم من تحريف الآيات وغيره ملاقيكم لا محالة، ولا ينفعكم الفرار ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة يعني ما أشهدتم الخلق من التوراة والإنجيل وعالم بما غيبتم عن الخلق من نعت محمد صلى الله عليه وسلّم وما أسررتم في أنفسكم من تكذيبكم رسالته، وقوله تعالى :﴿فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ إما عياناً مقروناً بلقائكم يوم القيامة، أو بالجزاء إن كان خيراً فخير. وإن كان شراً فشر، فقوله :﴿إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ﴾ هو التنبيه على السعي فيما ينفعهم في الآخرة وقوله :﴿فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ هو الوعيد البليغ والتهديد الشديد. ثم في الآية مباحث :
البحث الأول : أدخل الفاء لما أنه في معنى الشرط والجزاء، وفي قراءة ابن مسعود ﴿مُلَـاقِيكُمْ ﴾ من غير ﴿فَإِنَّه ﴾.
الثاني : أن يقال : الموت ملاقيهم على كل حال، فروا أو لم يفروا، فما معنى الشرط والجزاء ؟
قيل : إن هذا على جهة الرد عليهم إذ ظنوا أن الفرار ينجيهم، وقد صرح بهذا المعنى، وأفصح عنه بالشرط الحقيقي في قوله :
ومن هاب أسباب المنايا تناله
ولو نال أسباب السماء بسلم
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٤٥
٥٤٥
وجه التعلق بما قبلها هو أن الذين هادوا يفرون من الموت لمتاع الدنيا وطيباتها والذين آمنوا يبيعون ويشرون لمتاع الدنيا وطيباتها كذلك، فنبههم الله تعالى بقوله :﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ أي إلى ما ينفعكم في الآخرة، وهو حضور الجمعة، لأن الدنيا ومتاعها فانية والآخرة وما فيها باقية، قال تعالى :﴿وَالاخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ (الأعلى : ١٧) ووجه آخر في التعلق، قال بعضهم : قد أبطل الله قول اليهود في ثلاث، افتخروا بأنهم أولياء الله واحباؤه، فكذبهم بقوله :﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ﴾ (الجمعة : ٦) وبأنهم أهل الكتاب، والعرب لا كتاب لهم، فشبههم بالحمار يحمل أسفاراً، وبالسبت وليس للمسلمين مثله فشرع الله تعالى لهم الجمعة، وقوله تعالى :﴿إِذَا نُودِىَ﴾ يعني النداء إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة وهو قول مقاتل، وأنه كما قال لأنه لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم نداء سواء كان إذا جلس عليه الصلاة والسلام على المنبر أذن بلال على باب المسجد، وكذا على عهد أبي بكر وعمر، وقوله تعالى :﴿لِلصَّلَواةِ﴾ أي لوقت الصلاة يدل عليه قوله :﴿مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ﴾ ولا تكون الصلاة من اليوم، وإنما يكون وقتها من اليوم، قال الليث : الجمعة يوم خص به لاجتماع الناس في ذلك اليوم، ويجمع على الجمعات والجمع، وعن سلمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"سميت الجمعة جمعة لأن آدم جمع فيه خلقه" وقيل : لما أنه تعالى فرغ فيها من خلق الأشياء، فاجتمعت فيها المخلوقات. قال الفراء : وفيها ثلاث لغات التخفيف، وهي قراءة الأعمش والتثقيل، وهي قراءة العامة، ولغة لبني عقيل، وقوله تعالى :﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٤٥


الصفحة التالية
Icon