وإنما خاطب بهذا امرأة وقوله تعالى :﴿وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾ أي عن استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ذكر تعالى أن استغفاره لا ينفعهم فقال :﴿سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ﴾ قال قتادة : نزلت هذه الآية بعد قوله :﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ وذلك لأنها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"خيرني ربي فلأزيدنهم على السبعين" فأنزل الله تعالى :﴿لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُم إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَـاسِقِينَ﴾ قال ابن عباس : المنافقين، وقال قوم : فيه بيان أن الله تعالى يملك هداية وراء هداية البيان، وهي خلق فعل الاهتداء فيمن علم منه ذلك، وقيل : معناه لا يهديهم لفسقهم وقالت المعتزلة : لا يسميهم المهتدين إذا فسقوا وضلوا وفي الآية مباحث :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٥١
البحث الأول : لم شبههم بالخشب المسندة لا بغيره من الأشياء المنتفع بها ؟
نقول لاشتمال هذا التشبيه على فوائد كثيرة لا توجد في الغير الأولى : قال في "الكشاف" : شبهوا في استنادهم وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير، بالخشب المسندة إلى الحائط، ولأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع، وما دام متروكاً فارغاً غير منتفع به أسند إلى الحائط، فشبهوا به في عدم الانتفاع، ويجوز أن يراد بها الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة إلى الحائط شبهوا بها في حسن صورهم، وقلة جداوهم الثانية : الخشب المسندة في الأصل كانت غصناً طرياً يصلح لأن يكون من الأشياء المنتفع بها، ثم تصير غليظة يابسة، والكافر والمنافق كذلك كان في الأصل صالحاً لكذا وكذا، ثم يخرج عن تلك الصلاحية الثالثة : الكفرة من جنس الإنس حطب، كما قال تعالى :﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ (الأنبياء : ٩٨) والخشب المسندة حطب أيضاً الرابعة : أن الخشب المسندة إلى الحائط أحد طرفيها إلى جهة، والآخر إلى جهة أخرى، والمنافقون كذلك، لأن المنافق أحد طرفيه وهو الباطن إلى جهة أهل الكفر، والطرف الآخر وهو الظاهر إلى جهة أهل الإسلام الخامسة : المعتمد عليه الخشب المسندة ما يكون من الجمادات والنباتات، والمعتمد عليه للمنافقين كذلك، وإذا كانوا من المشركين إذ هو الأصنام، إنها من الجمادات أو النباتات.
الثاني : من المباحث أنه تعالى شبهم بالخشب المسندة، ثم قال من بعد ما ينافي هذا التشبيه وهو قوله تعالى :﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِم هُمُ الْعَدُوُّ﴾ (المنافقون : ٤) والخشب المسندة لا يحسبون أصلاً، نقول : لا يلزم أن يكون المشبه والمشبه به يشتركان في جميع الأوصاف، فهم كالخشب المسندة بالنسبة إلى الانتفاع وعدم الانتفاع، وليسوا كالخشب المسندة بالنسبة إلى الاستماع وعدم الاستماع للصيحة وغيرها.
الثالث : قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَـاسِقِينَ﴾ ولم يقل : القوم الكافرين أو المنافقين أو المستكبرين مع أن كل واحد منهم من جملة ما سبق ذكره ؟
نقول : كل أحد من تلك الأقوام داخل تحت قوله :﴿الْفَـاسِقِينَ﴾ أي الذين سبق ذكرهم وهم الكافرون والمنافقون والمستكبرون.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٥١
٥٥١
أخبر الله تعالى بشنيع مقالتهم فقال :﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾ كذا وكذا : أي يتفرقوا، وقرىء :﴿حَتَّى يَنفَضُّوا ﴾ من أنفض القوم إذا فنيت أزوادهم، قال المفسرون : اقتتل أجير عمر مع أجير عبد الله بن أبي في بعض الغزوات فأسمع أجير عمر عبد الله بن أبي المكروه واشتد عليه لسانه، فغضب عبد الله وعنده رهط من قومه فقال : أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، يعني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم أقبل على قومه فقال : لو أمسكتم النفقة عن هؤلاء يعني المهاجرين لأوشكوا أن يتحولوا عن دياركم وبلادكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد فنزلت، وقرىء :﴿لَيُخْرِجَنَّ﴾ بفتح الياء، وقرأ الحسن وابن أبي عيلة :﴿لَنَخْرُجَنَّ﴾ بالنون ونصب الأعز والأذل، وقوله تعالى :﴿وَلِلَّهِ خَزَآاـاِنُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ قال مقاتل : يعني مفاتيح الرزق والمطر والنبات، والمعنى أن الله هو الرزاق :﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالارْضِ﴾ (يونس : ٣١) وقال أهل المعاني : خزائن الله تعالى مقدوراته لأن فيها كل ما يشاء مما يريد إخراجه، وقال الجنيد : خزائن الله تعالى في السموات الغيوب وفي الأرض القلوب وهو علام الغيوب ومقلب القلوب، وقوله تعالى :﴿وَلَـاكِنَّ الْمُنَـافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ﴾ أي لا يفقهون أن :﴿أَمْرُه ا إِذَآ أَرَادَ شَيْـاًا أَن يَقُولَ لَه كُن فَيَكُونُ﴾ (يس : ٨٢) وقوله يقولون :﴿لَـاـاِن رَّجَعْنَآ﴾ أي من تلك الغزوة وهي غزوة بني المصطلق إلى المدينة فرد الله تعالى عليه وقال :﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ﴾


الصفحة التالية
Icon