وجهان أحدهما : أنه نادى النبي صلى الله عليه وسلّم ثم خاطب أمته لما أنه سيدهم وقدوتهم، فإذا خوطب خطاب الجمع كانت أمته داخلة في ذلك الخطاب. قال أبو إسحق : هذا خطاب النبي عليه السلام، والمؤمنون داخلون معه في الخطاب وثانيهما : أن المعنى يا أيها النبي قل لهم : إذا طلقتم النساء فأضمر القول، وقال الفراء : خاطبه وجعل الحكم للجميع، كما تقول للرجل : ويحك أما تتقون الله أما تستحيون، تذهب إليه وإلى أهل بيته و﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾ أي إذا أردتم التطليق، كقوله :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا﴾ (المائدة : ٦) أي إذا أردتم / الصلاة، وقد مر الكلام فيه، وقوله تعالى :﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ قال عبد الله : إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته، فيطلقها طاهراً من غير جماع، وهذا قول مجاهد وعكرمة ومقاتل والحسن، قالوا : أمر الله تعالى الزوج بتطليق امرأته إذا شاء الطلاق في طهر لم يجامعها فيه، وهو قوله تعالى :﴿لِعِدَّتِهِنَّ﴾ أي لزمان عدتهن، وهو الطهر بإجماع الأمة، وقيل : لإظهار عدتهن، وجماعة من المفسرين قالوا : الطلاق للعدة أن يطلقها طاهرة من غير جماع، وبالجملة، فالطلاق في حال الطهر لازم، وإلا لا يكون الطلاق سنياً، والطلاق في السنة إنما يتصور في البالغة المدخول بها غير الآيسة والحامل/ إذ لا سنة في الصغير وغير المدخول بها، والآيسة والحامل، ولا بدعة أيضاً لعدم العدة بالأقراء، وليس في عدد الطلاق سنة وبدعة، على مذهب الشافعي حتى لو طلقها ثلاثاً في طهر صحيح لم يكن هذا بدعياً بخلاف ما ذهب إليه أهل العراق، فإنهم قالوا : السنة في عدد الطلاق أن يطلق كل طلقة في طهر صحيح. وقال صاحب "النظم" :﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ صفة للطلاق كيف يكون، وهذه اللام تجيء لمعان مختلفة للإضافة وهي أصلها، ولبيان السبب والعلة كقوله تعالى :﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾ (الإنسان : ٩) وبمنزلة عند مثل قوله :﴿أَقِمِ الصَّلَواةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ (الإسراء : ٧٨) أي عنده، وبمنزلة في مثل قوله تعالى :﴿هُوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ مِن دِيَـارِهِمْ لاوَّلِ الْحَشْرِ ﴾ (الحشر : ٢) وفي هذه الآية بهذا المعنى، لأن المعنى فطلقوهن في عدتهن، أي في الزمان الذي يصلح لعدتهن فقال صاحب "الكشاف" : فطلقوهن مستقبلات لعدتهن كقوله : أتيته لليلة بقيت من المحرم أي مستقبلاً لها، وفي قراءة النبي صلى الله عليه وسلّم :(من قبل عدتهن) فإذا طلقت المرأة في الطهر المتقدم للقرء الأول من أقرائها فقد طلقت مستقبلة العدة، المراد أن يطلقن في طهر لم يجامعن فيه، يخلين إلى أن تنقضي عدتهن، وهذا أحسن الطلاق وأدخله في السنة وأبعده من الندم ويدل عليه ما روي عن إبراهيم النخعي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم كانوا يستحبون أن لا يطلقوا أزواجهم للسنة إلا واحدة ثم لا يطلقوا غير ذلك حتى تنقضي العدة وكان أحسن عندهم من أن يطلق الرجل ثلاث تطليقات، وقال مالك بن أنس : لا أعرف طلاقاً إلا واحدة، وكان يكره الثلاث مجموعة كانت أو متفرقة، وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنما كرهوا ما زاد على الواحدة في طهر واحد، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لابن عمر حين طلق امرأته وهي حائض : ما هكذا أمرك الله تعالى إنما السنة أن تستقبل الطهر استقبالاً وتطلقها لكل قرء تطليقة وعند الشافعي لا بأس بإرسال الثلاث، وقال : لا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة وهو مباح فمالك يراعى في طلاق السنة الواحدة والوقت، وأبو حنيفة يراعي التفريق والوقت، والشافعي يراعي الوقت وحده، وقوله تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٦٣
﴿وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ﴾ أي أقراءها فاحتفظوا لها واحفظوا الحقوق والأحكام التي تجب في العدة واحفظوا نفس ما تعتدون به وهو عدد الحيض، ثم جعل الإحصاء إلى الأزواج يحتمل وجهين أحدهما : أنهم هم الذين يلزمهم الحقوق والمؤن وثانيهما : ليقع / تحصين الأولاد في العدة، ثم في الآية مباحث :


الصفحة التالية
Icon