قوله :﴿وَالَّـا ـاِى يَـاـاِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ﴾ الآية، ذكر الله تعالى في سورة البقرة عدة ذوات الأقراء والمتوفى عنها زوجها وذكر عدة سائر النسوة اللائي لم يذكرن هناك في هذه السورة، وروي أن معاذ بن جبل قال : يا رسول الله قد عرفنا عدة التي تحيض، فما عدة التي لم تحض فنزل :﴿وَالَّـا ـاِى يَـاـاِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ﴾ وقوله :﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ أي إن أشكل عليكم حكمهن في عدة التي لا تحيض، فهذا حكمهن، وقيل : إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ الإياس وقد قدروه بستين سنة وبخمس وخمسين أهو دم حيض أو استحاضة ﴿فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـاثَةُ أَشْهُرٍ﴾ فلما نزل قوله تعالى :﴿فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـاثَةُ أَشْهُرٍ﴾ قام رجل فقال : يا رسول الله فما عدة الصغيرة التي لم تحض ؟
فنزل :﴿وَالَّـاـا ِى لَمْ يَحِضْنَ ﴾ أي هي بمنزلة الكبيرة التي قد يئست عدتها ثلاثة أشهر، فقام آخر وقال، وما عدة الحوامل يا رسول الله ؟
فنزل :﴿وَأُوْلَـاتُ الاحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ معناه أجلهن في انقطاع ما بينهن وبين الأزواج وضع الحمل، وهذا عام في كل حامل، وكان علي عليه السلام يعتبر أبعد الأجلين، ويقول :﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ﴾ (البقرة : ٢٣٤) لا يجوز أن يدخل في قوله :﴿وَأُوْلَـاتُ الاحْمَالِ﴾ وذلك لأن أولات الأحمال إنما هو في عدة الطلاق، وهي لا تنقض عدة الوفاة إذا كانت بالحيض، وعند ابن عباس عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الأجلين. وأما ابن مسعود فقال : يجوز أن يكون قوله :﴿وَأُوْلَـاتُ الاحْمَالِ﴾ مبتدأ خطاب ليس بمعطوف على قوله تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٦٦
﴿وَالَّـا ـاِى يَـاـاِسْنَ﴾ ولما كان مبتدأ يتناول العدد كلها، ومما يدل عليه خبر سبيعة بنت الحرث أنها وضعت حملها بعد وفاة زوجها بخمسة عشر يوماً، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن تتزوج، فدل على إباحة النكاح / قبل مضي أربعة أشهر وعشر، على أن عدة الحامل تنقضي بوضع الحمل في جميع الأحوال. وقال الحسن : إن وضعت أحد الولدين انقضت عدتها، واحتج بقوله تعالى :﴿أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ ولم يقل : أحمالهن، لكن لا يصح، وقرىء (أحمالهن)، وقوله :﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّه مِنْ أَمْرِه يُسْرًا﴾ أي ييسر الله عليه في أمره، ويوفقه للعمل الصالح. وقال عطاء : يسهل الله عليه أمر الدنيا والآخرة، وقوله :﴿ذَالِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَه ا إِلَيْكُمْ ﴾ يعني الذي ذكر من الأحكام أمر الله أنزله إليكم، ومن يتق الله بطاعته، ويعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلّم يكفر عنه سيئاته من الصلاة إلى الصلاة، ومن الجمعة إلى الجمعة، ويعظم له في الآخرة أجراً، قاله ابن عباس. فإن قيل قال تعالى :﴿أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ ولم يقل : أن يلدن، نقول : الحمل اسم لجميع ما في بطنهن، ولو كان كما قاله، لكانت عدتهن بوضع بعض حملهن، وليس كذلك.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٦٦
٥٦٨
قوله تعالى :﴿أَسْكِنُوهُنَّ﴾ وما بعده بيان لما شرط من التقوى في قوله :﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ﴾ (الطلاق : ٤) كأنه قيل : كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات، فقيل :﴿أَسْكِنُوهُنَّ﴾ قال صاحب "الكشاف" :(من) صلة، والمعنى أسكنوهن حيث سكنتم. قال أبو عبيدة :﴿مِّن وُجْدِكُمْ﴾ أي وسعكم وسعتكم، وقال الفراء : على قدر طاقتكم، وقال أبو إسحاق : يقال وجدت في المال وجداً، أي صرت ذا مال، وقرىء بفتح الواو أيضاً وبخفضها، والوجد الوسع والطاقة، وقوله :﴿وَلا تُضَآرُّوهُنَّ﴾ نهي عن مضارتهن بالتضييق عليهن في السكنى والنفقة ﴿وَإِن كُنَّ أُوْلَـاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ وهذا بيان حكم المطلقة البائنة، لأن الرجعية تستحق النفقة، وإن لم تكن حاملاً، وإن كانت مطلقة ثلاثاً أو مختلعة فلا نفقة لها إلا أن تكون حاملاً، وعند مالك والشافعي، ليس للمبتوتة إلا السكنى ولا نفقة لها، وعن الحسن وحماد لا نفقة لها ولا سكنى، لحديث فاطمة بنت قيس أن زوجها بت طلاقها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا سكنى لك ولا نفقة. وقوله :﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن﴾ يعني حق الرضاع وأجرته وقد مر، وهو دليل على أن اللبن وإن خلق لمكان الولد فهو ملك لها وإلا لم يكن لها أن تأخذ الأجر، وفيه دليل على أن حق الرضاع والنفقة على الأزواج في حق الأولاد وحق الإمساك والحضانة والكفالة على الزوجات وإلا لكان لها بعض الأجر دون الكل، وقوله تعالى :﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ﴾
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٦٨


الصفحة التالية
Icon