الصرصر الشديدة الصوت لها صرصرة وقيل : الباردة من الصر كأنها التي كرر فيها البرد وكثر فهي تحرق بشدة بردها، وأما العاتية ففيها أقوال : الأول : قال الكلبي : عتت على خزنتها يومئذ، فلم يحفظوا كم خرج منها، ولم يخرج قبل ذلك، ولا بعده منها شيء إلا بقدر معلوم، قال عليه الصلاة والسلام : طغى الماء على خزانه يوم / نوح، وعتت الريح على خزانها يوم عاد، فلم يكن لها عليها سبيل، فعلى هذا القول : هي عاتية على الخزان الثاني : قال عطاء عن ابن عباس : يريد الريح عتت على عاد فما قدروا على ردها بحيلة من استتار ببناء أو (استناد إلى جبل)، فإنها كانت تنزعهم من مكامنهم وتهلكهم القول الثالث : أن هذا ليس من العتو الذي هو عصيان، إنما هو بلوغ الشيء وانتهاؤه ومنه قولهم : عتا النبت، أي بلغ منتهاه وجف، قال تعالى :﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ (مريم : ٨) فعاتية أي بالغة منتهاها في القوة والشدة.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٣
٦٢٣
قوله تعالى :﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَـانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ﴾ قال مقاتل : سلطها عليهم. وقال الزجاج : أقلعها عليهم، وقال آخرون : أرسلها عليهم، هذه هي الألفاظ المنقولة عن المفسرين، وعندي أن فيه لطيفة، وذلك لأن من الناس من قال : إن تلك الرياح إنما اشتدت، لأن اتصالاً فلكياً نجومياً اقتضى ذلك، فقوله :﴿سَخَّرَهَا﴾ فيه إشارة إلى نفي ذلك المذهب، وبيان أن ذلك إنما حصل بتقدير الله وقدرته، فإنه لولا هذه الدقيقة لما حصل منه التخويف والتحذير عن العقاب. وقوله :﴿سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَـانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ﴾ الفائدة فيه أنه تعالى لو لم يذكر ذلك لما كان مقدار زمان هذا العذاب معلوماً، فلما قال :﴿سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَـانِيَةَ أَيَّامٍ﴾ صار مقدار هذا الزمان معلوماً، ثم لما كان يمكن أن يظن ظان أن ذلك العذاب كان متفرقاً في هذه المدة أزال هذا الظن، بقوله :﴿حُسُومًا ﴾ أي متتابعة متوالية، واختلفوا في الحسوم على وجوه أحدها : وهو قول الأكثرين (حسوماً)، أي متتابعة، أي هذه الأيام تتابعت عليهم بالريح المهلكة، فلم يكن فيها فتور ولا انقطاع، وعلى هذا القول : حسوم جمع حاسم. كشهود وقعود، ومعنى هذا الحسم في اللغة القطع بالاستئصال، وسمي السيف حساماً، لأنه يحسم العدو عما يريد، من بلوغ عداوته فلما كانت تلك الرياح متتابعة ما سكنت ساعة حتى أتت عليهم أشبه تتابعها عليهم تتابع فعل الحاسم في إعادة الكي، على الداء كرة بعد أخرى، حتى ينحسم وثانيها : أن الرياح حسمت كل خير، واستأصلت كل بركة، فكانت حسوماً أو حسمتهم، فلم يبق منهم أحد، فالحسوم على هذين القولين جمع حاسم وثالثها : أن يكون الحسوم مصدراً كالشكور والكفور، وعلى هذا التقدير فإما أن ينتصب بفعله مضمراً، والتقدير : يحسم حسوماً، يعني استأصل استئصالاً، أو يكون صفة، كقولك : ذات حسوم، أو يكون مفعولاً له، أي سخرها عليهم للاستئصال، وقرأ السدي :﴿حُسُومًا ﴾ بالفتح حالاً من الريح، أي سخرها عليهم مستأصلة، وقيل : هي أيام العجوز، وإنما سميت بأيام العجوز، لأن عجوزاً من عاد توارت في سرب، فانتزعتها الريح في اليوم الثامن فأهلكتها، وقيل : هي أيام العجز وهي آخر الشتاء.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٣
قوله تعالى :﴿فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى ﴾ أي في مهابها، وقال آخرون : أي في تلك الليالي / والأيام :﴿صَرْعَى ﴾ جمع صريع. قال مقاتل : يعني موتى يريد أنهم صرعوا بموتهم، فهم مصرعون صرع الموت.
ثم قال :﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ أي كأنهم أصول نخل خالية الأجواف لا شيء فيها، والنخل يؤنث ويذكر، قال الله تعالى في موضع آخر :﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾ (القمر : ٢٠) وقرىء :(أعجاز نخيل)، ثم يحتمل أنهم شبهوا بالنخيل التي قلعت من أصلها، وهو إخبار عن عظيم خلقهم وأجسامهم ويحتمل أن يكون المراد به الأصول دون الجذوع، أي أن الريح قد قطعتهم حتى صاروا قطعاً ضخاماً كأصول النخل. وأما وصف النخل بالخواء، فيحتمل أن يكون وصفاً للقوم، فإن الريح كانت تدخل أجوافهم فتصرعهم كالنخل الخاوية الجوف، ويحتمل أن تكون الخالية بمعنى البالية لأنها إذا بليت خلت أجوافها، فشبهوا بعد أن أهلكوا بالنخيل البالية ثم قال :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٣
٦٢٣
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في الباقية ثلاثة أوجه أحدها : إنها البقية وثانيها : المراد من نفس باقية وثالثها : المراد بالباقية البقاء، كالطاغية بمعنى الطغيان.


الصفحة التالية
Icon