المسألة الثانية : ذهب قوم إلى أن المراد أنه لم يبق من نسل أولئك القوم أحد، واستدل بهذه الآية على قوله قال ابن جريج : كانوا سبع ليال وثمانية أيام أحياء في عقاب الله من الريح، فلما أمسوا في اليوم الثامن ماتوا، فاحتملتهم الريح فألقتهم في البحر، فذاك هو قوله :﴿فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّنا بَاقِيَةٍ﴾ وقوله :﴿فَأْصْبَحُوا لا يُرَى ا إِلا مَسَـاكِنُهُمْ ﴾ (الأحقاف : ٢٥).
القصة الثانية قصة فرعون
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٣
٦٢٤
أي ومن كان قبله من الأمم التي كفرت كما كفر هو، و(من) لفظ عام ومعناه خاص في الكفار دون المؤمنين، قرأ أبو عمرو وعاصم والكسائي، ﴿وَمَن قَبْلَه ﴾ بكسر القاف وفتح الباء، قال سيبويه : قبل لما ولي الشيء تقول : ذهب قبل السوق، ولى قبلك حق، أي فيما يليك، واتسع فيه حتى صار بمنزلة لي عليك، فمعنى ﴿مِن قَبْلِه ﴾ أي من عنده من أتباعه وجنوده والذي يؤكد هذه القراءة ما روي أن ابن مسعود وأبياً وأبا موسى قرؤا :﴿وَمَن﴾ روى عن أبي وحده أنه قرأ :﴿مُوسَى وَمَن مَّعَه ﴾ أما قوله :﴿وَالْمُؤْتَفِكَـاتُ﴾ فقد تقدم تفسيرها، وهم الذين أهلكوا من قوم لوط، على معنى والجماعات المؤتفكات، وقوله :﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾ فيه وجهان الأول : أن الخاطئة مصدر كالخطأ والثاني : أن يكون المراد بالفعلة / أو الأفعال ذات الخطأ العظيم.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٤
٦٢٤
الضمير إن كان عائداً إلى ﴿فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَه ﴾ (الحاقة : ٩)، فرسول ربهم هو موسى عليه السلام، وإن كان عائداً إلى أهل المؤتفكات فرسول ربهم هو لوط، قال الواحدي : والوجه أن يقال : المراد بالرسول كلاهما للخبر عن الأمتين بعد ذكرهما بقوله، ﴿فَعَصَوْا ﴾ فيكون كقوله :﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ (الشعراء : ١٦) وقوله :﴿فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً﴾ يقال : ربا الشيء يربو إذا زاد ثم فيه وجهان الأول : أنها كانت زائدة في الشدة على عقوبات سائر الكفار كما أن أفعالهم كانت زائدة في القبح على أفعال سائر الكفار الثاني : أن عقوبة آل فرعون في الدنيا كانت متصلة بعذاب الآخرة، لقوله :﴿أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ (نوح : ٢٥) وعقوبة الآخرة أشد من عقوبة الدنيا، فتلك العقوبة كأنها كانت تنمو وتربو.
القصة الثالثة قصة نوح عليه السلام
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٤
٦٢٥
طغى الماء على خزانه فلم يدروا كم خرج وليس ينزل من السماء قطرة قبل تلك الواقعة ولا بعدها إلا بكيل معلوم، وسائر المفسرين قالوا :﴿طَغَى ﴾ أي تجاوز حده حتى علا كل شيء وارتفع فوقه، و﴿حَمَلْنَـاكُمْ﴾ أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم، ولا شك أن الذين خوطبوا بهذا هم أولاد الذين كانوا في السفينة، وقوله :﴿فِى الْجَارِيَةِ﴾ يعني في السفينة التي تجري في الماء، وهي سفينة نوح عليه السلام، والجارية من أسماء السفينة، ومنه قوله :﴿وَلَهُ الْجَوَارِ﴾ (الرحمن : ٢٤).
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٥
٦٢٥
قوله تعالى :﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً﴾ الضمير في قوله :﴿لِنَجْعَلَهَا﴾ إلى ماذا يرجع ؟
فيه وجهان : الأول : قال الزجاج إنه عائد إلى الواقعة التي هي معلومة، وإن كانت ههنا غير مذكورة، والتقدير لنجعل نجاة المؤمنين وإغراق الكفرة عظة وعبرة الثاني : قال الفراء : لنجعل السفينة، وهذا ضعيف والأول هو الصواب، ويدل على صحته قوله :﴿وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ فالضمير في قوله :﴿وَتَعِيَهَآ﴾ عائد إلى ما عاد إليه الضمير الأول، لكن الضمير في قوله :﴿وَتَعِيَهَآ﴾ لا يمكن عوده إلى السفينة فكذا الضمير الأول.
قوله تعالى :﴿وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ فيه مسألتان :
المسألة الأولى : يقال : لكل شيء حفظته في نفسك وعيته ووعيت العلم، ووعيت ما قلت ويقال : لكل ما حفظته في غير نفسك : أوعيته يقال : أوعيت المتاع في الوعاء، ومنه قول الشاعر :
والشر أخبث ما أوعيت من زاد
واعلم أن وجه التذكير في هذا أن نجاة قوم من الغرق بالسفينة وتغريق من سواهم يدل على قدرة مدبر العالم ونفاذ مشيئته، ونهاية حكمته ورحمته وشدة قهره وسطوته، وعن النبي صلى الله عليه وسلّم عند نزول هذه الآية :"سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي، قال علي : فما نسيت شيئاً بعد ذلك، وما كان لي أن أنسى" فإن قيل : لم قال ﴿أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ على التوحيد والتنكير ؟
قلنا : للإيذان بأن الوعاة فيهم قلة، ولتوبيخ الناس بقلة من يعي منهم، وللدلالة على أن الأذن الواحدة إذا وعت وعقلت عن الله فهي السواد الأعظم عند الله، وأن ما سواها لا يلتفت إليهم، وإن امتلأ العالم منهم.


الصفحة التالية
Icon