المسألة الأولى : هاء صوت يصوت به، فيفهم منه معنى خذ كأف وحس، وقال أبو القاسم الزجاجي وفيه لغات وأجودها ما حكاه سيبويه عن العرب فقال : ومما يؤمر به من المبنيات قولهم : هاء يا فتى، ومعناه تناول ويفتحون الهمزة ويجعلون فتحها علم المذكر كما قالوا : هاك يا فتى، فتجعل فتحة الكاف علامة المذكر ويقال للإثنين : هاؤما، وللجمع هاؤموا وهاؤم والميم في هذا الموضع كالميم في أنتما وأنتم وهذه الضمة التي تولدت في همزة هاؤم إنما هي ضمة ميم الجمع لأن الأصل فيه هاؤموا وأنتموا فاشبعوا الضمة وحكموا للإثنين بحكم الجمع لأن الإثنين عندهم في حكم الجمع في كثير من الأحكام.
المسألة الثانية : إذا اجتمع عاملان على معمول واحد، فإعمال الأقرب جائز بالاتفاق وإعمال الأبعد هل يجوز أم لا ؟
ذهب الكوفيون إلى جوازه والبصريون منعوه، واحتج البصريون على قولهم : بهذه الآية، لأن قوله :﴿هَآؤُمُ﴾ ناصب، وقوله :﴿اقْرَءُوا ﴾ ناصب أيضاً، فلو كان / الناصب هو الأبعد، لكان التقدير : هاؤم كتابيه، فكان يجب أن يقول : اقرأوه، ونظيره ﴿ءَاتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ واعلم : أن هذه الحجة ضعيفة لأن هذه الآية دلت على أن الواقع ههنا إعمال الأقرب وذلك لا نزاع فيه إنما النزاع في أنه هل يجوز إعمال الأبعد أم لا، وليس في الآية تعرض لذلك، وأيضاً قد يحذف الضمير لأن ظهوره يغني عن التصريح به كما في قوله :﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ فلم لا يجوز أن يكون ههنا كذلك، ثم احتج الكوفيون بأن العامل الأول متقدم في الوجود على العامل الثاني، والعامل الأول حين وجد اقتضى معمولاً لامتناع حصول العلة دون المعمول، فصيرورة المعمول معمولاً للعامل الأول متقدم على وجود العامل الثاني، والعامل الثاني إنما وجد بعد أن صار معمولاً للعامل الأول فيستحيل أن يصير أيضاً معمولاً للعامل الثاني، لامتناع تعليل الحكم الواحد بعلتين، ولامتناع تعليل ما وجد قبل بما يوجد بعد، وهذه المسألة من لطائف النحو.
المسألة الثالثة : الهاء للسكت ﴿كِتَـابِيَهْ﴾ وكذا في﴿حِسَابِيَهْ﴾ وحق هذه الهاءات أن تثبت في الوقف وتسقط في الوصل، ولما كانت هذه الهاءات مثبتة في المصحف والمثبتة في المصحف لا بد وأن تكون مثبتة في اللفظ، ولم يحسن إثباتها في اللفظ إلا عند الوقف، لا جرم استحبوا الوقف لهذا السبب. وتجاسر بعضهم فأسقط هذه الهاءات عند الوصل، وقرأ ابن محيصن بإسكان الياء بغيرها. وقرأ جماعة بإثبات الهاء في الوصل والوقف جميعاً لاتباع المصحف.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٩
المسألة الرابعة : اعلم أنه لما أوتي كتابيه بيمينه، ثم إنه يقول :﴿هَآؤُمُ اقْرَءُوا كِتَـابِيَهْ﴾ دل ذلك على أنه بلغ الغاية في السرور لأنه لما أعطى كتابه بيمينه علم أنه من الناجين ومن الفائزين بالنعيم، فأحب أن يظهر ذلك لغيره حتى يفرحوا بما ناله. وقيل : يقول ذلك لأهل بيته وقرابته.
ثم إنه تعالى حكى عنه أنه يقول :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٩
٦٢٩
وفيه وجوه الأول : المراد منه اليقين الاستدلالي وكل ما ثبت بالاستدلال فإنه لا ينفك من الخواطر المختلفة، فكان ذلك شبيهاً بالظن الثاني : التقدير : إني كنت أظن أني ألاقي حسابي فيؤاخذني الله بسيئاتي، فقد تفضل علي بالعفو ولم يؤاخذني بها فهاؤم اقرؤا كتابيه وثالثها : روي أبو هريرة أنه عليه السلام قال :"إن الرجل يؤتى به يوم القيامة ويؤتى كتابه فتظهر حسناته في ظهر كفه وتكتب سيئاته في بطن كفه فينظر إلى سيئاته فيحزن، فيقال له : اقلب كفك فينظر فيه فيرى حسناته فيفرح، ثم يقول :﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـابَه بِيَمِينِه فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَءُوا كِتَـابِيَهْ * إِنِّى ظَنَنتُ أَنِّى مُلَـاقٍ حِسَابِيَهْ﴾ على سبيل الشدة، وأما الآن فقد فرح الله عني ذلك الغم، وأما في حق الأشقياء فيكون ذلك على الضد مما ذكرنا ورابعها : ظننت : أي علمت، وإنما أجرى مجرى العلم. لأن الظن الغالب يقام مقام العلم في / العادات والأحكام، يقال : أظن ظناً كاليقين أن الأمر كيت وكيت وخامسها : المراد إني ظننت في الدنيا أن بسبب الأعمال التي كنت أعملها في الدنيا سأصل في القيامة إلى هذه الدرجات وقد حصلت الآن على اليقين فيكون الظن على ظاهره، لأن أهل الدنيا لا يقطعون بذلك.
ثم بين تعالى عاقبة أمره فقال :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٩
٦٢٩
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : وصف العيشة بأنها راضية فيه وجهان الأول : المعنى أنها منسوبة إلى الرضا كالدارع والنابل، والنسبة نسبتان نسبة بالحروف ونسبة بالصيغة والثاني : أنه جعل الرضا للعيشة مجازأ مع أنه صاحب العيشة.