المسألة الخامسة : احتج أصحابنا بقوله :﴿لِّنَفْتِنَهُمْ﴾ على أنه تعالى يضل عباده، والمعتزلة أجابوا بأن الفتنة هي الاختبار كما يقال : فتنت الذهب بالنار لاخلق الضلال، واستدلت المعتزلة باللام في قوله ﴿لِّنَفْتِنَهُمْ﴾ على أنه تعالى إنما يفعل لغرض، وأصحابنا أجابوا أن الفتنة بالاتفاق ليست مقصودة فدلت هذه الآية على أن اللام ليست للغرض في حق الله. وقوله تعالى :﴿وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّه ﴾ أي عن عبادته أو عن موعظته، أو عن وحيه. يسلكه، وقرىء بالنون مفتوحة ومضمومة أي ندخله عذاباً، والأصل نسلكه في عذاب كقوله :﴿مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ﴾ (المدثر : ٤٢) إلا أن هذه العبارة أيضاً مستقيمة لوجهين الأول : أن يكون التقدير نسلكه في عذاب، ثم حذف الجار وأوصل الفعل، كقوله :﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَه ﴾ (الأعراف : ١٥٥) والثاني : أن يكون معنى نسلكه أي ندخله، يقال : سلكه وأسلكه، والصعد مصدر صعد، يقال : صعد صعداً وصعوداً، فوصف به العذاب لأنه (يصعد فوق طاقة) المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه، ومنه قول عمر : ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح، يريد ما شق علي ولا غلبني، وفيه قول آخر وهو ما روي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن صعداً جبل في جهنم، وهو صخرة ملساء، فيكلف الكافر صعودها ثم يجذب من أمامه بسلاسل ويضرب من خلفه بمقامع حتى يبلغ أعلاها في أربعين سنة، فإذا بلغ أعلاها جذب إلى أسفلها، ثم يكلف الصعود مرة أخرى، فهذا دأبه أبداً، ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿سَأُرْهِقُه صَعُودًا﴾ (المدثر : ١٧).
النوع الثالث : من جملة الموحى قوله تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٧٥
٦٧٥
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : التقدير : قل أوحي إلي أن المساجد لله، ومذهب الخليل أن التقدير : ولأن المساجد لله فلا تدعوا، فعلى هذا اللام متعلقة، (بلا تدعوا، أي) فلا تدعوا مع الله أحداً في المساجد لأنها لله خاصة، ونظيره قوله :﴿وَإِنَّ هَـاذِه أُمَّتُكُمْ﴾ على معنى، ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون، أي لأجل هذا المعنى فاعبدون.
المسألة الثانية : اختلفوا في المساجد على وجوه أحدها : وهو قول الأكثرين : أنها المواضع التي بنيت للصلاة وذكر الله ويدخل فيها الكنائس والبيع ومساجد المسلمين، وذلك أن أهل الكتاب يشركون في صلاتهم في البيع والكنائس، فأمر الله المسلمين بالإخلاص والتوحيد وثانيها : قال الحسن : أراد بالمساجد البقاع كلها قال عليه الصلاة والسلام :"جعلت لي الأرض مسجداً" كأنه تعالى قال : الأرض كلها مخلوقة لله تعالى فلا تسجدوا عليها لغير خالقها وثالثها : روي عن الحسن أيضاً أنه قال : المساجد هي الصلوات فالمساجد على هذا القول جمع مسجد بفتح / الجيم والمسجد على هذا القول مصدر بمعنى السجود ورابعها : قال سعيد بن جبير : المساجد الأعضاء التي يسجد العبد عليها وهي سبعة القدمان والركبتان واليدان والوجه، وهذا القول اختيار ابن الأنباري، قال : لأن هذه الأعضاء هي التي يقع السجود عليها وهي مخلوقة لله تعالى، فلا ينبغي أن يسجد العاقل عليها لغير الله تعالى، وعلى هذا القول معنى المساجد مواضع السجود من الجسد واحدها مسجد بفتح الجيم وخامسها : قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : يريد بالمساجد مكة بجميع ما فيها من المساجد، وذلك لأن مكة قبلة الدنيا وكل أحد يسجد إليها، قال الواحدي : وواحد المساجد على الأقوال كلها مسجد بفتح الجيم إلا على قول من يقول : إنها المواضع التي بنيت للصلاة فإن واحدها بكسر الجيم لأن المواضع والمصادر كلها من هذا الباب بفتح العين إلا في أحرف معدودة وهي : المسجد والمطلع والمنسك والمسكن والمنبت والمفرق والمسقط والمجزر والمحشر والمشرق والمغرب، وقد جاء في بعضها الفتح وهو المنسك والمسكن والمفرق والمطلع، وهو جائز في كلها وإن لم يسمع.
المسألة الثالثة : قال الحسن : من السنة إذا دخل الرجل المسجد أن يقول لا إله إلا الله لأن قوله :﴿فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ في ضمنه أمر بذكر الله وبدعائه.
النوع الرابع : من جملة الموحى قوله تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٧٥
٦٧٥


الصفحة التالية
Icon