المسألة الأولى : ذكروا في تفسير التكبير وجوهاً أحدها : قال الكلبي : عظم ربك / مما يقوله عبدة الأوثان وثانيها : قال مقاتل : هو أن يقول : الله أكبر، روى أنه "لما نزلت هذه الآية قام النبي صلى الله عليه وسلّم وقال : الله أكبر كبيراً، فكبرت خديجة وفرحت، وعلمت أنه أوحى إليه" وثالثها : المراد منه التكبير في الصلوات، فإن قيل : هذه السورة نزلت في أول البعث وما كانت الصلاة واجبة في ذلك الوقت ؟
قلنا : لا يبعد أنه كانت له عليه السلام صلوات تطوعية، فأمر أن يكبر ربه فيها ورابعها : يحتمل عندي أن يكون المراد أنه لما قيل له :﴿قُمْ فَأَنذِرْ﴾ قيل بعد ذلك :﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ عن اللغو والعبث.
واعلم أنه ما أمرك بهذا الإنذار إلا لحكمة بالغة، ومهمات عظيمة، لا يجوز لك الإخلال بها، فقوله :﴿وَرَبَّكَ﴾ كالتأكيد في تقرير قوله :﴿قُمْ فَأَنذِرْ﴾ وخامسها : عندي فيه وجه آخر وهو أنه لما أمره بالإنذار، فكأن سائلاً سأل وقال : بماذا ينذر ؟
فقال : أن يكبر ربه عن الشركاء والأضداد والأنداد ومشابهة الممكنات والمحدثات، ونظير قوله في سورة النحل :﴿أَنْ أَنذِرُوا أَنَّه لا إِلَـاهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ (النحل : ٢) وهذا تنبيه على أن الدعوة إلى معرفة الله ومعرفة تنزيهه مقدمة على سائر أنواع الدعوات.
المسألة الثانية : الفاء في قوله :﴿فَكَبِّرْ﴾ ذكروا فيه وجوهاً أحدها : قال أبو الفتح الموصلي : يقال : زيداً فاضرب، وعمراً فاشكر، وتقديره زيداً اضرب وعمراً اشكر، فعنده أن الفاء زائدة وثانيها : قال الزجاج : دخلت الفاء لإفادة معنى الجزائية، والمعنى : قم فكبر ربك وكذلك ما بعده على هذا التأويل وثالثها : قال صاحب "الكشاف" : الفاء لإفادة معنى الشرط، والتقدير : وأي شيء كان فلا تدع تكبيره.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٠٠
٧٠٢
اعلم أن تفسير هذه الآية يقع على أربعة أوجه أحدها : أن يترك لفظ الثياب والتطهير على ظاهره والثاني : أن يترك لفظ الثياب على حقيقته، ويحمل لفظ التطهير على مجازه الثالث : أن يحمل لفظ الثياب على مجازه، ويترك لفظ التطهير على حقيقته والرابع : أن يحمل اللفظان على المجاز أما الاحتمال الأول : وهو أن يترك لفظ الثياب، ولفظ التطهير على حقيقته، فهو أن نقول : المراد منه أنه عليه الصلاة والسلام، أمر بتطهير ثيابه من الأنجاس والأقذار، وعلى هذا التقدير يظهر في الآية ثلاثة احتمالات أحدها : قال الشافعي : المقصود منه الإعلام بأن الصلاة لا تجوز إلا في ثياب طاهرة من الأنجاس وثانيها : قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كان المشركون ما كانوا يصونون ثيابهم عن النجاسات، فأمره الله تعالى بأن يصون ثيابه عن النجاسات وثالثها : روي أنهم ألقوا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم سلى شاة، فشق عليه ورجع إلى / بيته حزيناً وتدثر بثيابه، فقيل :﴿رَّحِيمُ * يَـا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ﴾ (المدثر : ١ ـ ٢) ولا تمنعك تلك السفاهة عن الإنذار ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ (المدثر : ٣) عن أن لا ينتقم منهم ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ عن تلك النجاسات والقاذورات، الاحتمال الثاني : أن يبقى لفظ الثياب على حقيقته، ويجعل لفظ التطهير على مجازه، فهنا قولان : الأول : أن المراد من قوله :﴿فَطَهِّرْ﴾ أي فقصر، وذلك لأن العرب كانوا يطولون ثيابهم ويجرون أذيالهم فكانت ثيابهم تتنجس، ولأن تطويل الذيل إنما يفعل للخيلاء والكبر، فنهى الرسول صلى الله عليه وسلّم عن ذلك القول الثاني :﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ أي ينبغي أن تكون الثياب التي تلبسها مطهرة عن أن تكون مغصوبة أو محرمة، بل تكون مكتسبة من وجه حلال، الاحتمال الثالث : أن يبقى لفظ التطهير على حقيقته، ويحمل لفظ الثياب على مجازه، وذلك أن يحمل لفظ الثياب على الحقيقة وذلك لأن العرب ما كانوا يتنظفون وقت الاستنجاء، فأمر عليه الصلاة والسلام بذلك التنظيف وقد يجعل لفظ الثياب كناية عن النفس.
قال عنترة :
فشككت بالرمح الأصم ثيابه (أي نفسه)
ولهذا قال :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٠٢
ليس الكريم على القنا بمحرم


الصفحة التالية
Icon