السؤال الثاني : ما وجه تأثير إنزال هذا المتشابه في استيقان أهل الكتاب ؟
الجواب : من وجوه أحدها : أن هذا العدد لما كان موجوداً في كتابهم، ثم إنه عليه السلام أخبر على وفق ذلك من غير سابقة دراسة وتعلم، فظهر أن ذلك إنما حصل بسبب الوحي من السماء فالذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلّم من أهل الكتاب يزدادون به إيماناً وثانيها : أن التوراة والإنجيل كانا محرفين، فأهل الكتاب كانوا يقرأون فيهما أن عدد الزبانية هو هذا القدر، ولكنهم ما كانوا يعولون على ذلك كل التعويل لعلمهم بتطرق التحريف إلى هذين الكتابين، فلما سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلّم قوي إيمانهم بذلك واستيقنوا أن ذلك العدد هو الحق والصدق وثالثها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يعلم من حال قريش أنه متى أخبرهم بهذا العدد العجيب، فإنهم يستهزئون به ويضحكون منه، لأنهم كانوا يستهزئون به في إثبات التوحيد والقدرة والعلم، مع أن تلك المسائل أوضح وأظهر فكيف في ذكر هذا العدد العجيب ؟
ثم إن استهزاءهم برسول الله وشدة سخريتهم به ما منعه من إظهار هذا الحق، فعند هذا يعلم كل أحد أنه لو كان غرض محمد صلى الله عليه وسلّم طلب الدنيا والرياسة لاحترز عن ذكر هذا العدد العجيب، فلما ذكره مع علمه بأنهم لا بد وأن يستهزئوا به علم كل عاقل أن مقصوده منه إنما هو تبليغ الوحي، وأنه ما كان يبالي في ذلك لا بتصديق المصدقين ولا بتكذيب المكذبين.
السؤال الثالث : ما تأثير هذه الواقعة في ازدياد إيمان المؤمنين ؟
الجواب : أن المكلف مالم يستحضر كونه تعالى عالماً بجميع المعلومات غنياً عن جميع الحادثات منزهاً عن الكذب والحلف لا يمكنه أن ينقاد لهذه العدة ويعترف بحقيقتها، فإذا اشتغل باستحضار تلك الدلائل ثم جعل العلم الإجمالي بأنه صادق لا يكذب حكيم لا يجهل دافعاً للتعجب الحاصل في الطبع من هذا العدد العجيب فحينئذ يمكنه أن يؤمن بحقيقة هذا العدد، ولا شك أن المؤمن يصير عند اعتبار هذه المقامات أشد استحضاراً للدلائل وأكثر انقياداً للدين، فالمراد بازدياد الإيمان هذا.
السؤال الرابع : حقيقة الإيمان عندكم لا تقبل الزيادة والنقصان فما قولكم في هذه الآية ؟
الجواب : نحمله على ثمرات الإيمان وعلى آثاره ولوازمه.
السؤال الخامس : لما أثبت الاستيقان لأهل الكتاب وأثبت زيادة الإيمان للمؤمنين فما الفائدة في قوله بعد ذلك :﴿وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ ؟
الجواب : أن المطلوب إذا كان غامضاً دقيق الحجة كثير الشبهة، فإذا اجتهد الإنسان فيه وحصل له اليقين فربما غفل عن / مقدمة من مقدمات ذلك الدليل الدقيق، فيعود الشك والشبهة، فإثبات اليقين في بعض الأحوال لا ينافي طريان الارتياب بعد ذلك، فالمقصود من إعادة هذا الكلام هو أنه حصل لهم يقين جازم، بحيث لا يحصل عقيبه ألبتة شك ولا ريب.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧١٣
السؤال السادس : جمهور المفسرين قالوا في تفسير قوله :﴿الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ إنهم الكافرون وذكر الحسين بن الفضل البجلي أن هذه السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق، فالمرض في هذه الآية ليس بمعنى النفاق، والجواب : قول المفسرين حق وذلك لأنه كان في معلوم الله تعالى أن النفاق سيحدث فأخبر عما سيكون، وعلى هذا تصير هذه الآية معجزة، لأنه إخبار عن غيب سيقع، وقد وقع على وفق الخبر فيكون معجزاً، ويجوز أيضاً أن يراد بالمرض الشك لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين وبعضهم كانوا قاطعين بالكذب.
السؤال السابع : هب أن الاستيقان وانتفاء الارتياب يصح أن يكونا مقصودين من إنزال هذا المتشابه، فكيف صح أن يكون قول الكافرين والمنافقين مقصوداً ؟
الجواب : أما على أصلنا فلا إشكال لأنه تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وسيأتي مريد تقرير لهذا في الآية الآتية، وأما عند المعتزلة فإن هذه الحالة لما وقعت أشبهت الغرض في كونه واقعاً، فأدخل عليه حرف اللام وهو كقوله :﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ﴾.
السؤال الثامن : لم سموه مثلاً ؟
الجواب : أنه لما كان هذا العدد عدداً عجيباً ظن القوم أنه ربما لم يكن مراد الله منه ما أشعر به ظاهره بل جعله مثلاً لشيء آخر وتنبيهاً على مقصود آخر/ لا جرم سموه مثلاً.
السؤال التاسع : القوم كانوا ينكرون كون القرآن من عند الله، فكيف قالوا : ماذا أراد الله بهذا مثلاً ؟
الجواب : أما الذين في قلوبهم مرض، وهم المنافقون فكانوا في الظاهر معترفين بأن القرآن من عند الله فلا جرم قالوا ذلك باللسان، وأما الكفار فقالوه على سبيل التهكم أو على سبيل الاستدلال بأن القرآن لو كان من عند الله لما قال مثل هذا الكلام.