جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧١٤
٧١٥
نذيراً تمييز من إحدى على معنى أنها لإحدى الدواهي إنذاراً كما تقول هي إحدى النساء عفافاً، وقيل : هو حال، وفي قراءة أبي نذير بالرفع خبر أو بحذف المبتدأ.
ثم قال تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧١٥
٧١٥
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في تفسير الآية وجهان الأول : أن ﴿يَتَقَدَّمَ﴾ في موضع الرفع بالابتداء ولمن شاء خبر مقدم عليه كقولك : لمن توضأ أن يصلي، ومعناه التقدم والتأخر مطلقان لمن شاءهما منكم، والمراد بالتقدم والتأخر السبق إلى الخير والتخلف عنه، وهو في معنى قوله :﴿فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ (الكهف : ٢٩) الثاني : لمن شاء بدل من قوله للبشر، والتقدير : إنها نذير لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر، نظيره ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ﴾ (آل عمران : ٩٧).
المسألة الثانية : المعتزلة احتجوا بهذه الآية على كون العبد متمكناً من الفعل غير مجبور / عليه وجوابه : أن هذه الآية دلت على أن فعل العبد معلق على مشيئته، لكن مشيئة العبد معلقة على مشيئة الله تعالى لقوله :﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلا أَن يَشَآءَ اللَّه ﴾ (الإنسان : ٣) وحينئذ تصير هذه الآية حجة لنا عليهم، وذكر الأصحاب عن وجه الاستدلال بهذه الآية جوابين آخرين الأول : أن معنى إضافة المشيئة إلى المخاطبين التهديد، كقوله :﴿فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ (الكهف : ٢٩) الثاني : أن هذه المشيئة لله تعالى على معنى لمن شاء الله منكم أن يتقدم أو يتأخر.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧١٥
٧١٦
قال صاحب "الكشاف" : رهينة ليست بتأنيث رهين في قوله :﴿كُلُّ امْرِى ا بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ (الطور : ٢١) لتأنيث النفس لأنه لو قصدت الصيغة لقيل : رهين، لأن فعيلاً بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم، كأنه قيل : كل نفس بما كسبت رهن، ومنه بيت الحماسة :
أبعد الذي بالنعف نعف كواكب
رهينة رمس ذي تراب وجندل
كأنه قال : رهن رمس، والمعنى كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك إلا أصحاب اليمين، فإنهم فكوا عن رقاب أنفسهم بسبب أعمالهم الحسنة، كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق، ثم ذكروا وجوهاً في أن أصحاب اليمين من هم ؟
أحدها : قال ابن عباس : هم المؤمنون وثانيها : قال الكلبي : هم الذين قال (فيهم) الله تعالى :"هؤلاء في الجنة ولا أبالي" وهم الذين كانوا على يمين آدم وثالثها : قال مقاتل : هم الذين أعطوا كتبهم بأيمانهم لا يرتهنون بذنوبهم في النار ورابعها : قال علي بن أبي طالب عليه السلام وابن عمر : هم أطفال المسلمين، قال الفراء : وهو أشبه بالصواب لوجهين : الأول : لأن الولدان لم يكتسبوا إثماً يرتهنون به والثاني : أنه تعالى ذكر في وصفهم، فقال :﴿فِى جَنَّـاتٍ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ﴾ وهذا إنما يليق بالولدان، لأنهم لم يعرفوا الذنوب، فسألوا ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ﴾ (المدثر : ٤٠ ـ ٤٢) وخامسها : عن ابن عباس : هم الملائكة.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧١٦
٧١٦
قوله تعالى :﴿فِي جَنَّـاتِ﴾ أي هم في جنات لا يكتنه وصفها.
ثم قال تعالى :﴿فِى جَنَّـاتٍ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ﴾ وفيه وجهان الأول : أن تكون كلمة عن صلة زائدة، والتقدير : يتساءلون المجرمين فيقولون لهم : ما سلككم في سقر ؟
فإنه يقال سألته كذا، ويقال : سألته عن كذا الثاني : أن يكون المعنى أن أصحاب اليمين يسأل بعضهم بعضاً عن أحوال المجرمين، فإن قيل : فعلى هذا الوجه كان يجب أن يقولوا : ما سلكهم في سقر ؟
قلنا : أجاب صاحب "الكشاف" عنه فقال : المراد من هذا أن المسؤولين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين، / فيقولون قلنا لهم :﴿مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ﴾ وفيه وجه آخر، وهو أن يكون المراد أن أصحاب اليمين كانوا يتساءلون عن المجرمين أين هم ؟
فلما رأوهم قالوا لهم :﴿مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ﴾ (المدثر : ٤٢) والإضمارات كثيرة في القرآن.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧١٦
٧١٦


الصفحة التالية
Icon