المسألة الخامسة : وصف اليوم بالعبوس مجازاً على طريقتين أحدهما : أن يوصف بصفة أهله من الأشقياء كقولهم : نهارك صائم، روي أن الكافر يحبس حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران والثاني : أن يشبه في شدته وضراوته بالأسد العبوس أو بالشجاع الباسل.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٥٠
المسألة السادسة : قال الزجاج : جاء في التفسير أن قمطريراً معناه تعبيس الوجه، فيجتمع ما بين العينين، قال : وهذا سائغ في اللغة يقال : اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها ورمت بأنفها يعني أن معنى قمطر في اللغة جمع، وقال الكلبي : قمطريراً يعني شديداً وهو قول الفراء وأبي عبيدة والمبرد وابن قتيبة، قالوا : يوم قمطرير، وقماطر إذا كان صعباً شديداً أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء، قال الواحدي : هذا معنى والتفسير هو الأول.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٥٠
٧٥١
اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم أتوا بالطاعات لغرضين طلب رضا الله والخوف من القيامة بين في هذه الآية أنه أعطاهم هذين الغرضين، أما الحفظ من هول القيامة، فهو المراد بقوله :﴿فَوَقَـاـاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَالِكَ الْيَوْمِ﴾ وسمى شدائدها شراً توسعاً على ما علمت، واعلم أن هذه الآية أحد ما يدل على أن شدائد الآخرة لا تصل إلا إلى أهل العذاب، وأما طلب رضاء الله تعالى فأعطاهم بسببه نضرة في الوجه وسروراً في القلب، وقد مر تفسير ﴿وَلَقَّـاـاهُمْ﴾ في قوله :﴿وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً﴾ (الفرقان : ٧٥) وتفسير النضرة في قوله :﴿وُجُوهٌ يَوْمَـاـاِذٍ نَّاضِرَةٌ﴾ (القيامة : ٢٣) والتنكير في للتعظيم والتفخيم.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٥١
٧٥٢
والمعنى وجزاهم بصبرهم على الإيثار وما يؤدي إليه من الجوع والعري، بستاناً فيه مأكل هنيء وحريراً فيه ملبس بهي، ونظيره قوله تعالى :﴿وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ (الحج : ٢٣) أقول : وهذا يدل على أن المراد من قوله :﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ﴾ (الإنسان : ٩) ليس هو الإطعام فقط بل جميع أنواع المواساة من الطعام والكسوة، ولما ذكر تعالى طعامهم ولباسهم، وصف مساكنهم، ثم إن المعتبر في المساكن أمور :
أحدها : الموضع الذي يجلس فيه فوصفه بقوله :﴿مُّتَّكِـاِينَ فِيهَا عَلَى الارَآاـاِكِ ﴾ وهي السرر في الحجال، ولا تكون أريكة إلا إذا اجتمعت، وفي نصب متكئين وجهان الأول : قال الأخفش : إنه نصب على الحال، والمعنى وجزاهم جنة في حال اتكائهم كما تقول : جزاهم ذلك قياماً، والثاني : قال الأخفش : وقد يكون على المدح.
والثاني : هو المسكن فوصفه بقوله :﴿لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا﴾ وفيه وجهان أحدهما : أن هواءها معتدل في الحر والبرد والثاني : أن الزمهرير هو القمر في لغة طيء هكذا رواه ثعلب وأنشد :
وليلة ظلامها قد اعتكر
قطعتها والزمهرير ما زهر
والمعنى أن الجنة ضياء فلا يحتاج فيها إلى شمس وقمر.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٥٢
٧٥٢
والثالث : كونه بستاناً نزهاً، فوصفه الله تعالى بقوله :﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَـالُهَا﴾ وفي الآية سؤالان الأول : ما السبب في نصب ﴿وَدَانِيَةً﴾ ؟
الجواب : ذكر الأخفش والكسائي والفراء والزجاج فيه وجهين أحدهما : الحال بالعطف على قوله :﴿مُتَّكِـاِينَ﴾ كما تقول في الدار : عبدالله متكئاً ومرسلة عليه الحجال، لأنه حيث قال : عليهم رجع إلى ذكرهم والثاني : الحال بالعطف على محل :﴿يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا﴾ (الإنسان : ١٣) والتقدير غير رائين فيها شمساً ولا زمهريراً ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَـالُهَا﴾ ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين يجتمعان لهم، كأنه قيل : وجزاهم جنة جامعين فيها بين البعد عن الحر والبرد، ودنو الظلال عليهم والثالث : أن يكون دانية نعتاً للجنة، والمعنى : وجزاهم جنة دانية، وعلى هذا الجواب تكون دانية صفة لموصوف محذوف، كأنه قيل : وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً، وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها، وذلك لأنهم وعدوا جنتين، وذلك لأنهم خافوا بدليل قوله :﴿إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا﴾ (الإنسان : ١٠) وكل من خاف فله جنتان، بدليل قوله :﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّه جَنَّتَانِ﴾ (الرحمن : ٤٦) وقرىء :﴿وَدَانِيَةً﴾ بالرفع على أن ﴿ظِلَـالُهَا﴾ مبتدأ ﴿وَدَانِيَةً﴾ خبر، والجملة في موضع الحال، والمعنى :﴿لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا﴾ (الإنسان : ١٣) والحال أن ظلالها دانية عليهم.
السؤال الثاني : الظل إنما يوجد حيث توجد الشمس، فإن كان لا شمس في الجنة فكيف يحصل الظل هناك ؟
والجواب : أن المراد أن أشجار الجنة تكون بحيث لو كان هناك شمس لكانت تلك الأشجار مظلله منها.


الصفحة التالية
Icon