قوله تعالى :﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا﴾ ذكروا في ذللت وجهين الأول : قال ابن قتيبة : ذللت أدنيت منهم من قولهم : حائط ذليل إذا كان قصير السمك والثاني : ظللت أي جعلت منقادة ولا تمتنع على قطافها كيف شاءوا. قال البراء بن عازب : ذللت لهم فهم يتناولون منها كيف شاءوا، فمن أكل قائماً لم يؤذه ومن أكل جالساً لم يؤذه ومن أكل مضطجعاً لم يؤذه.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٥٢
واعلم أنه تعالى لما وصف طعامهم ولباسهم ومسكنهم وصف بعد ذلك شرابهم وقدم عليه / وصف تلك الأواني التي فيها يشربون فقال :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٥٢
٧٥٢
في الآية سؤالات :
السؤال الأول : قال تعالى :﴿يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ﴾ (الزخرف : ٧١) والصحاف هي القصاع، والغالب فيها الأكل فإذا كان ما يأكلون فيه ذهباً فما يشربون فيه أولى أن يكون ذهباً لأن العادة أن يتنوق في إناء الشرب مالا يتنوق في إناء الأكل وإذا دلت هذه الآية على أن إناء شربهم يكون من الذهب فكيف ذكر ههنا أنه من الفضة والجواب : أنه لا منافاة بين الأمرين فتارة يسقون بهذا وتارة بذاك.
السؤال الثاني : ما الفرق بين الآنية والأكواب ؟
الجواب : قال أهل اللغة : الأكواب الكيزان التي لا عرى لها، فيحتمل أن يكون على معنى أن الإناء يقع فيه الشرب كالقدح، والكوب ما صب منه في الإناء كالإبريق.
السؤال الثالث : ما معنى كانت ؟
الجواب : هو من يكون في قوله :﴿كُن فَيَكُونُ﴾ أي تكونت قوارير بتكوين الله تفخيماً لتلك الخلقة العجيبة الشأن الجامعة بين صفتي الجوهرين المتباينين.
السؤال الرابع : كيف تكون هذه الأكواب من فضة ومن قوارير ؟
الجواب : عنه من وجوه أحدها : أن أصل القوارير في الدنيا الرمل وأصل قوارير الجنة هو فضة الجنة فكما أن الله تعالى قادر على أن يقلب الرمل الكثيف زجاجة صافية، فكذلك هو قادر على أن يقلب فضة الجنة قارورة لطيفة، فالغرض من ذكر هذه الآية، التنبيه على أن نسبة قارورة الجنة إلى قارورة الدنيا كنسبة فضة الجنة إلى رمل الدنيا، فكما أنه لا نسبة بين هذين الأصلين، فكذا بين القارورتين في الصفاء واللطافة وثانيها : قال ابن عباس : ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء وإذا كان كذلك فكمال الفضة في بقائها ونقائها وشرفها إلا أنه كثيف الجوهر، وكمال القارورة في شفافيتها وصفائها إلا أنه سريع الانكسار، فآنية الجنة آنية يحصل فيها من الفضة بقاؤها ونقاؤها، وشرف جوهرها، ومن القارورة، صفاؤها وشفافيتها وثالثها : أنها تكون فضة ولكن لها صفاء القارورة، ولا يستبعد من قدرة الله تعالى الجمع بين هذين الوصفين ورابعها : أن المراد في الآية ليس هو الزجاج، فإن العرب تسمى ما استدار من الأواني التي تجعل فيها الأشربة ورق وصفاً قارورة، فمعنى الآية ﴿وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَا مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ مستديرة صافية رقيقة.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٥٢
السؤال الخامس : كيف القراءة في ﴿قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَا مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ ؟
الجواب : قرئا غير منونين وبتنوين الأول وبتنوينهما، وهذا التنوين بدل عن ألف الإطلاق لأنه فاصلة، وفي الثاني لاتباعه الأول لأن الثاني بدل من الأول فيتبع البدل المبدل، وقرىء :﴿قَوَارِيرَا مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ بالرفع على هي قوارير، وقدروها صفة لقوارير من فضة.
أما قوله تعالى :﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال المفسرون معناه :﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ على قدر ريهم لا يزيد ولا ينقص من الري ليكون ألذ لشربهم، وقال الربيع بن أنس : إن تلك الأواني تكون بمقدار ملء الكف لم تعظم فيثقل حملها.
المسألة الثانية : أن منتهى مراد الرجل في الآنية التي يشرب منها الصفاء والنقاء والشكل. أما الصفاء فقد ذكره الله تعالى بقوله :﴿كَانَتْ قَوَارِيرَا ﴾ وأما النقاء فقد ذكره بقوله : من فضة، وأما الشكل فقد ذكره بقوله :﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾.
المسألة الثالثة : المقدر لهذا التقدير من هو ؟
فيه قولان : الأول : أنهم هم الطائفون الذين دل عليهم قوله تعالى :﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِم﴾ وذلك أنهم قدروا شرابها على قدر ري الشارب والثاني : أنهم هم الشاربون وذلك لأنهم إذا اشتهوا مقداراً من المشروب جاءهم على ذلك القدر.
واعلم أنه تعالى لما وصف أواني مشروبهم ذكر بعد ذلك وصف مشروبهم، فقال :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٥٢
٧٥٣


الصفحة التالية
Icon