المسألة الثانية : في النصب ثلاثة أوجه، أما على تقدير كونه مصدراً فوجهان أحدهما : أن يكون مفعولاً على البدل من قوله : ذكراً والثاني : أن يكون مفعولاً له، والمعنى والملقيات ذكراً للأعذار والإنذار، وأما على تقدير كونه جمعاً، فنصب على الحال من الإلقاء والتقدير فالملقيات ذكراً حال كونهم عاذرين ومنذرين.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٦٨
٧٦٨
جواب القسم والمعنى، إن الذي توعدون به من مجيء / يوم القيامة لكائن نازل، وقال الكلبي : المراد أن كل ما توعدون به من الخير والشر لواقع، واحتج القائلون بالتفسير الأول بأنه تعالى ذكر عقيب هذه الآيات، علامات يوم القيامة، فدل على أن المراد من هذه الآية هو القيامة فقط، ثم إنه ذكر علامات وقوع هذا اليوم.
أولها : قوله تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٦٨
٧٦٩
وذكرنا تفسير الطمس عند قوله :﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى ا أَمْوَالِهِمْ﴾ (يونس : ٨٨) وبالجملة فيحتمل أن يكون المراد محقت ذواتها، وهو موافق لقوله :﴿انتَثَرَتْ﴾ (الإنفطار : ٢) و(التكوير : ٢) وأن يكون المراد محقت أنوارها، والأول أولى، لأنه لا حاجة فيه إلى الإضمار. ويجوز أن يمحق نورها ثم تنتثر ممحوقة النور.
وثانيها : قوله :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٦٩
٧٦٩
﴿طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَآءُ فُرِجَتْ﴾ الفرج الشق يقال : فرجه الله فانفرج، وكل مشقوق فرج، فههنا قوله : فرجت أي شقت نظيره ﴿إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ﴾ (الانشقاق : ١) ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَـامِ﴾ (الفرقان : ٢٥) وقال ابن قتيبة معناه، فتحت نظيره، وفتحت السماء قال الشاعر :
الفارجي باب الأمير المبهم
وثالثها : قوله :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٦٩
٧٧٠
وفيه وجهان أحدهما : نسفت كالحب المغلث إذا نسف بالمنسف، ومنه قوله :﴿لَّنُحَرِّقَنَّه ثُمَّ لَنَنسِفَنَّه ﴾ ونظيره ﴿وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا﴾ (الواقعة : ٥) ﴿وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلا﴾ (المزمل : ١٤) ﴿فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفًا﴾ والثاني : اقتلعت بسرعة من أماكنها من انتسفت الشيء إذا اختطفته، وقرىء ﴿طُمِسَتْ﴾ و﴿فُرِجَتْ﴾ و﴿نُسِفَتْ﴾ مشددة.
ورابعها : قوله تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٧٠
٧٧٠
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : أقتت أصلها وقتت ويدل عليه وجوه أحدها : قراءة أبي عمرو وقتت بالواو وثانيها : أن أصل الكلمة من الوقت وثالثها : أن كل واو انضمت وكانت ضمتها لازمة فإنها تبدل على الإطراد همزة أولاً وحشواً، ومن ذلك أن تقول : صلى القوم إحدانا، وهذه أجوه حسان وأدؤر في جمع دار، والسبب فيه أن الضمة من جنس الواو، فالجمع بينهما يجري مجرى جمع المثلين فيكون ثقيلاً، ولهذا السبب كان كسر الياء ثقيلاً.
أما قوله تعالى :﴿وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ فلا يجوز فيه البدل لأن الضمة غير لازمة، ألا ترى أنه لا يسوغ في نحو قولك :﴿وَكُلا وَعَدَ﴾ أن تبدل.
المسألة الثانية : في التأقيت قولان : الأول : وهو قول مجاهد والزجاج أنه تبيين الوقت الذي فيه يحضرون للشهادة على أممهم، وهذا ضعيف، وذلك لأن هذه الأشياء جعلت علامات / لقيام القيامة، كأنه قيل : إذا كان كذا وكذا كانت القيامة، ولا يليق بهذا الموضع أن يقال : وإذا بين لهم الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم قامت القيامة لأن ذلك البيان كان حاصلاً في الدنيا ولأن الثلاثة المتقدمة هي الطمس والفرج والنسف مختصة بوقت قيام القيامة، فكذا هذا التوقيت يجب أن يكون مختصاً بوقت قيام القيامة القول الثاني : أن المراد بهذا التأقيت تحصيل الوقت وتكوينه، وهذا أقرب أيضاً إلى مطابقة اللفظ، لأن بناء التفعيلات على تحصيل تلك الماهيات، فالتسويد تحصيل السواد والتحريك تحصيل الحركة، فكذا التأقيت تحصيل الوقت ثم إنه ليس في اللفظ بيان أنه تحصيل لوقت أي شيء، وإنما لم يبين ذلك ولم يعين لأجل أن يذهب الوهم إلى كل جانب فيكون التهويل فيه أشد فيحتمل أن يكون المراد تكوين الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم وأن يكون هو الوقت الذي يجتمعون فيه للفوز بالثواب، وأن يكون هو وقت سؤال الرسل عما أجيبوا به وسؤال الأمم عما أجابوهم، كما قال :﴿فَلَنَسْـاَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـاَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ وأن يكون هو الوقت الذي يشاهدون الجنة والنار والعرض والحساب والوزن وسائر أحوال القيامة، وإليه الإشارة بقوله :﴿وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ﴾.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٧٠
٧٧٠