أي أخرت كأنه تعالى يعجب العباد من تعظيم ذلك اليوم فقال : لأي يوم أخرت الأمور المتعلقة بهؤلاء : وهي تعذيب من كذبهم وتعظيم من آمن بهم وظهور ما كانوا يدعون الخلق إلى الإيمان به من الأهوال والعرض والحساب ونشر الدواوين ووضع الموازين.
ثم إنه تعالى بين ذلك فقال :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٧٠
٧٧٠
قال ابن عباس رضي الله عنهما : يوم يفصل الرحمن بين الخلائق، وهذا كقوله :﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَـاتُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾.
ثم أتبع ذلك تعظيماً ثانياً فقال :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٧٠
٧٧١
﴿وَمَآ أَدْرَاـاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ﴾ أي وما علمك بيوم الفصل وشدته ومهابته.
ثم أتبعه بتهويل ثالث فقال :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٧١
٧٧٢
أي للمكذبين بالتوحيد والنبوة والمعاد وبكل ما ورد من الأنبياء عليهم السلام وأخبروا عنه، بقي ههنا سؤالان.
السؤال الأول : كيف وقع النكرة مبتدأ في قوله :﴿وَيْلٌ يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ ؟
الجواب : هو في أصله مصدر منصوب ساد مسد فعله، ولكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك / ودوامه للمدعو عليه، ونحوه ﴿سَلَـامٌ عَلَيْكُمُ﴾ ويجوز ويلا بالنصب، ولكن لم يقرأ به.
السؤال الثاني : أين جواب قوله :﴿فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ﴾ ؟
الجواب : من وجهين أحدهما : التقدير : إنما توعدون لواقع، إذا النجوم طمست، وهذا ضعيف، لأنه يقع في قوله :﴿فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ﴾، الثاني : أن الجواب محذوف، والتقدير ﴿فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ﴾ وإذا وإذا، فحينئذ تقع المجازاة بالأعمال وتقوم القيامة.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٧٢
٧٧٣
اعلم أن المقصود من هذه الصورة تخويف الكفار وتحذيرهم عن الكفر.
فالنوع الأول : من التخويف أنه أقسم على أن اليوم الذي يوعدون به، وهو يوم الفصل واقع ثم هول فقال :﴿وَمَآ أَدْرَاـاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ﴾ ثم زاد في التهويل فقال :﴿وَيْلٌ يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾.
والنوع الثاني من التخويف : ما ذكر في هذه الآية. وهو أنه أهلك الكفرة المتقدمين بسبب كفرهم. فإذا كان الكفر حاصلاً في هؤلاء المتأخرين، فلا بد وأن يهلكهم أيضاً ثم قال :﴿وَيْلٌ يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ كأنه يقول، أما الدنيا فحاصلهم الهلاك، وأما الآخرة فالعذاب الشديد وإليه الإشارة بقوله :﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالاخِرَةَا ذَالِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ وفي الآية سؤالان الأول : ما المراد من الأولين والآخرين ؟
الجواب : فيه قولان : الأول : أنه أهلك الأولين من قوم نوح وعاد وثمود ثم أتبعهم الآخرين قوم شعيب ولوط وموسى كذلك نفعل بالمجرمين وهم كفار قريش، وهذا القول ضعيف لأن قوله :﴿نُتْبِعُهُمُ الاخِرِينَ﴾ بلفظ المضارع فهو يتناول الحال والاستقبال ولا يتناول الماضي ألبتة القول الثاني : أن المراد بالأولين جميع الكفار الذين كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلّم، وقوله :﴿ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الاخِرِينَ﴾ على الاستئناف على معنى سنفعل ذلك ونتبع الأول الآخر، ويدل على الاستئناف قراءة عبدالله، فإن قيل : قرأ الأعرج ثم نتبعهم بالجزم وذلك يدل على الاشتراك في ألم، وحينئذ يكون المراد به الماضي لا المستقبل، قلنا : القراءة الثابتة بالتواتر نتبعهم بحركة العين، وذلك يقتضي المستقبل، فلو اقتضت القراءة بالجزم أن يكون المراد هو الماضي لوقع التنافي بين القراءتين، وإنه غير جائز. فعلمنا أن تسكين العين ليس للجزم للتخفيف كما روي في بيت امرىء القيس :
واليوم أشرب غير مستحقب
ثم إنه تعالى لما بين أنه يفعل بهؤلاء المتأخرين مثل ما يفعل بأولئك المتقدمين قال :﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ أي هذا الإهلاك إنما نفعله بهم لكونهم مجرمين، فلا جرم في جميع المجرمين، لأن عموم العلة يقتضي عموم الحكم.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٧٣
ثم قال تعالى :﴿وَيْلٌ يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي هؤلاء وإن أهلكوا وعذبوا في الدنيا، فالمصيبة العظمى والطامة الكبرى معدة لهم يوم القيامة.