المسألة الثانية : ذكر فالسابقات بالفاء، والتي قبلها بالواو، وفي علته وجهان الأول : قال صاحب "الكشاف" : إن هذه مسيبة عن التي قبلها، كأنه قيل : واللاتي سبحن، فسبقن كما تقول : قام فذهب أوجب الفاء أن القيام كان سبباً للذهاب، ولو قلت : قام وذهب لم تجعل القيام سبباً للذهاب، قال الواحدي : قول صاحب "النظم" غير مطرد في قوله :﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾ لأنه يبعد أن يجعل السبق سبباً للتدبير، وأقول : يمكن الجواب عن اعتراض الواحدي رحمه الله من وجهين : الأول : لا يبعد أن يقال : إنها لما أمرت سبحت فسبقت فدبرت ما أمرت بتدبيرها وإصلاحها، فتكون هذه أفعالاً يتصل بعضها ببعض، كقولك قام زيد، فذهب، فضرب عمراً، الثاني : لا يبعد أن يقال : إنهم لما كانوا سابقين في أداء الطاعات متسارعين إليها ظهرت أمانتهم، فلهذا السبب فوض الله إليهم تدبير بعض العالم الوجه الثاني : أن الملائكة قسمان، الرؤساء والتلامذة، والدليل عليه أنه سبحانه وتعالى قال :﴿قُلْ يَتَوَفَّـاـاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ﴾ (السجدة : ١١) ثم قال :﴿حَتَّى ا إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ (الأنعام : ٦١) فقلنا في التوفيق بين الآيتين : أن ملك الموت هو الرأس، والرئيس وسائر الملائكة هم التلامذة، إذا عرفت هذا فتقول : النازعات، والناشطات / والسابحات، محمولة على التلامذة الذين هم يباشرون العمل بأنفسهم، ثم قوله تعالى :﴿فَالسَّـابِقَـاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾ إشارة إلى الرؤساء الذين هم السابقون، في الدرجة والشرف، وهم المدبرون لتلك الأحوال والأعمال.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٣٧
٣٧
فيه مسائل :
المسألة الأولى : جواب القسم المتقدم محذوف أو مذكور فيه وجهان الأول : أنه محذوف، ثم على هذا الوجه في الآية احتمالات :
الأول : قال الفراء التقدير : لتبعثن، والدليل عليه ما حكى الله تعالى عنهم، أنهم قالوا :﴿أَءِذَا كُنَّا عِظَـامًا نَّخِرَةً﴾ (النازعات : ١١) أي أنبعث إذا صرنا عظاماً نخرة الثاني : قال الأخفش والزجاج : لننفخن في الصور نفختين ودل على هذا المحذوف ذكر الراجفة والرادفة وهما النفختان الثالث : قال الكسائي : الجواب المضمر هو أن القيامة واقعة وذلك لأنه سبحانه وتعالى قال :﴿وَالذَّارِيَـاتِ ذَرْوًا﴾ (الذاريات : ١) ثم قال :﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ﴾ (الذاريات : ٥) وقال :﴿وَالْمُرْسَلَـاتِ عُرْفًا * فَالْعَـاصِفَـاتِ عَصْفًا * وَالنَّـاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَـارِقَـاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَـاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ * فَإِذَا﴾ (المرسلات : ٧، ١) فكذلك ههنا فإن القرآن كالسورة الواحدة القول الثاني : أن الجواب مذكور وعلى هذا القول احتمالات الأول : المقسم عليه هو قوله :﴿قُلُوبٌ يَوْمَـاـاِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَـارُهَا خَـاشِعَةٌ﴾ والتقدير والنازعات غرقاً أن يوم ترجف الراجفة تحصل قلوب واجفة وأبصارها خاشعة الثاني : جواب القسم هو قوله :﴿هَلْ أَتَـاـاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴾ (النازعات : ١٥) فإن هل ههنا بمعنى قد، كما في قوله :﴿هَلْ أَتَـاـاكَ حَدِيثُ الْغَـاشِيَةِ﴾ (الغاشية : ١) أي قد أتاك حديث الغاشية الثالث : جواب القسم هو قوله :﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾ (النازعات : ٢٦).
المسألة الثانية : ذكروا في ناصب يوم بوجهين أحدهما : أنه منصوب بالجواب المضمر والتقدير لتبعثن يوم ترجف الراجفة، فإن قيل كيف يصح هذا مع أنهم لا يبعثون عند النفخة الأولى والراجفة هي النفخة الأولى ؟
قلنا المعنى لتبعثن في الوقت الواسع الذي يحصل فيه النفختان، ولا شك أنهم يبعثون في بعض ذلك الوقت الواسع وهو وقت النفخة الأخرى، ويدل على ما قلناه أن قوله :﴿تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾ جعل حالاً عن الراجفة والثاني : أن ينصب يوم ترجف بما دل عليه :﴿قُلُوبٌ يَوْمَـاـاِذٍ وَاجِفَةٌ﴾ أي يوم ترجف وجفت القلوب.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٣٧


الصفحة التالية
Icon