السؤال الثاني : كيف صحت إضافة الأبصار إلى القلوب ؟
الجواب : معناه أبصار أصحابها بدليل قوله يقولون، ثم اعلم أنه تعالى حكى ههنا عن منكري البعث أقوالاً ثلاثة :
أولها : قوله تعالى :﴿يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى الْحَافِرَةِ﴾ يقال رجع فلان في حافرته أي في طريقه التي جاء فيها فحفرها أي أثر فيها بمشيه فيها جعل أثر قدميه حفراً فهي في الحقيقة محفورة إلا أنها سميت حافرة/ كما قيل :﴿فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ (الحاقة : ٢١) و﴿مَّآءٍ دَافِقٍ﴾ (الطارق : ٦) أي منسوبة إلى الحفر والرضا والدفق أو كقولهم نهارك صائم، ثم قيل لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه رجع إلى حافرته، أي إلى طريقته وفي الحديث :"إن هذا الأمر لا يترك على حاله حتى يرد على حافرته" أي على أول تأسيسه وحالته الأولى وقرأ أبو حيوة في الحفرة، والحفرة بمعنى المحفورة يقال : حفرت أسنانه، فحفرت حفراً، وهي حفرة، هذه القراءة دليل على أن الحافرة في أصل الكلمة بمعنى المحفور، إذا عرفت هذا ظهر أن معنى الآية : أنرد إلى أول حالنا وابتداء أمرنا فنصير أحياء كما كنا.
وثانيها : قوله تعالى :﴿أَءِذَا كُنَّا عِظَـامًا نَّخِرَةً﴾ وفيه مسائل :
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٣٧
المسألة الأولى : قرأ حمزة وعاصم ناخرة بألف، وقرأ الباقون نخرة بغير ألف، واختلفت الرواية عن الكسائي فقيل : إنه كان لا يبالي كيف قرأها، وقيل : إنه كان يقرؤها بغير ألف، ثم رجع إلى الألف، واعلم أن أبا عبيدة اختار نخرة، وقال : نظرنا في الآثار التي فيها ذكر العظام التي قد نخرت، فوجدناها كلها العظام النخرة، ولم نسمع في شيء منها الناخرة، وأما من سواه، فقد اتفقوا / على أن الناخرة لغة صحيحة، ثم اختلف هؤلاء على قولين : الأول : أن الناخرة والنخرة بمعنى واحد قال الأخفش هما جميعاً لغتان أيهما قرأت فحسن، وقال الفراء : الناخر والنخر سواء في المعنى بمنزله الطامع والطمع، والباخل والبخل، وفي كتاب "الخليل" نخرت الخشبة إذا بليت فاسترخت حتى تتفتت إذا مست، وكذلك العظم الناخر، ثم هؤلاء الذين قالوا : هما لغتان والمعنى واحد اختلفوا فقال الزجاج والفراء : الناخرة أشبه الوجهين بالآية لأنها تشبه أواخر سائر الآي نحو الحافرة والساهرة، وقال آخرون : الناخرة والنخر كالطامع والطمع، واللابث واللبث وفعل أبلغ من فاعل القول الثاني : أن النخرة غير والناخرة غير، أما النخرة فهو من نخر العظم ينخر فهو نخر مثل عفن يعفن فهو عفن، وذلك إذا بلي وصار بحيث لو لمسته لتفتت، وأما الناخرة فهي العظام الفارغة التي يحصل من هبوب الريح فيها صوت كالنخير، وعلى هذا الناخرة من النخير بمعنى الصوت كنخير النائم والمخنوق لا من النخر الذي هو البلى.
المسألة الثانية : إذاً منصوب بمحذوف تقدير إذا كنا عظاماً نرد ونبعث.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٣٧


الصفحة التالية
Icon