المسألة الأولى : قال الواحدي :﴿سَنُقْرِئُكَ﴾ أي سنجعلك قارئاً بأن نلهمك القراءة فلا تنسى ما تقرؤه، والمعنى نجعلك قارئاً للقرآن تقرؤه فلا تنساه، قال مجاهد ومقاتل والكلبي : كان عليه السلام إذا نزل عليه القرآن أكثر تحريك لسانه مخافة أن ينسى، وكان جبريل لا يفرغ من آخر الوحي حتى يتكلم هو بأوله مخافة النسيان، فقال تعالى :﴿سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى ﴾ أي سنعلمك هذا القرآن حتى تحفظه، ونظيره قوله :﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى ا إِلَيْكَ وَحْيُه ﴾ (طه : ١١٤) وقوله :﴿لا تُحَرِّكْ بِه لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه ﴾ ثم ذكروا في كيفية ذلك الاستقراء والتعليم وجوهاً أحدها : أن جبريل عليه السلام سيقرأ عليك القرآن مرات حتى تحفظه حفظاً لا تنساه وثانيها : أنا نشرح صدرك ونقوي خاطرك حتى تحفظ بالمرة الواحدة حفظاً لا تنساه وثالثها : أنه تعالى لما أمره في أول السورة بالتسبيح فكأنه تعالى قال : واظب على ذلك ودم عليه فإنا سنقرئك القرآن الجامع لعلوم الأولين والآخرين ويكون فيه ذكرك وذكر قومك ونجمعه في قلبك، ونيسرك لليسرى وهو العمل به.
المسألة الثانية : هذه الآية تدل على المعجزة من وجهين الأول : أنه كان رجلاً أمياً فحفظه لهذا الكتاب المطول من غير دراسة ولا تكرار ولا كتبة، خارق للعادة فيكون معجزاً الثاني : أن هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة، فهذا إخبار عن أمر عجيب غريب مخالف للعادة سيقع في المستقبل وقد وقع فكان هذا إخباراً عن الغيب فيكون معجزاً، أما قوله :﴿فَلا تَنسَى ﴾ فقال بعضهم :﴿فَلا تَنسَى ﴾ معناه النهي، والألف مزيدة للفاصلة، كقوله :﴿السَّبِيلا﴾ (الأحزاب : ٦٧) يعني فلا تغفل قراءته وتكريره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه، والقول المشهور أن هذا خبر والمعنى سنقرئك إلى أن تصير بحيث لا تنسى وتأمن النسيان، كقولك سأكسوك فلا تعرى أي فتأمن العرى، واحتج أصحاب هذا القول على ضعف القول الأول بأن ذلك القول لا يتم إلا عند التزام مجازات في هذه الآية منها أن النسيان لا يقدر عليه إلا الله تعالى، فلا يصح ورود الأمر والنهي به، فلا بد وأن يحمل ذلك على المواظبة على الأشياء التي تنافي النسيان مثل الدراسة وكثرة التذكر. وكل ذلك عدول عن ظاهر اللفظ. ومنها أن تجعل الألف مزيدة للفاصلة وهو أيضاً خلاف الأصل ومنها أنا إذا جعلناه خبراً كان معنى الآية بشارة الله إياه بأني أجعلك بحيث لا تنساه، وإذا جعلناه نهياً كان معناه أن الله أمره بأن يواظب على الأسباب المانعة من النسيان وهي الدراسة والقراءة، وهذا ليس في البشارة وتعظيم حاله مثل الأول، ولأنه على خلاف قوله :﴿لا تُحَرِّكْ بِه لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه ﴾ (القيامة : ١٦).
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٣٣


الصفحة التالية
Icon