جمع نحوص وهي الحائل من الإبل، وهذا قول أكثر المفسرين وأكثر أهل اللغة ورابعها : قال الخليل في كتابه : ويقال للجلدة التي على العظم تحت اللحم هي الضريع، فكأنه تعالى وصفه بالقلة، فلا جرم لا يسمن ولا يغني من جوع وخامسها : قال أبو الجوزاء : الضريع السلا، ويقرب منه ما روي عن سعيد بن جبير أنه شجرة ذات شوك، ثم قال أبو الجوزاء : وكيف يسمن من كان يأكل الشوك وفي الخبر الضريع شيء يكون في النار شبيه الشوك أمر من الصبر، وأنتن من الجيفة وأشد حراً من النار، قال القفال : والمقصد من ذكر هذا الشراب وهذا الطعام، بيان نهاية ذلهم وذلك لأن القوم لما أقاموا في تلك السلاسل والأغلال تلك المدة الطويلة عطاشاً جياعاً، ثم ألقوا في النار فرأوا فيها ماء وشيئاً من النبات، فأحب أولئك القوم تسكين ما بهم من العطش والجوع فوجدوا الماء حميماً لا يروي بل يشوي، ووجدوا النبات مما لا يشبع ولا يغني من جوع، فأيسوا وانقطعت أطماعهم في إزالة ما بهم من الجوع والعطش، كما قال :﴿وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ﴾ (الكهف : ٢٩) / وبين أن هذه الحالة لا تزول ولا تنقطع، نعوذ بالله منها وههنا سؤالات :
السؤال الأول : قال تعالى في سورة الحاقة :﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَـاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ﴾ (الحاقة : ٣٦، ٣٥) وقال ههنا :﴿لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِن ضَرِيعٍ﴾ والضريع غير الغسلين والجواب : من وجهين الأول : أن النار دركات فمن أهل النار من طعامه الزقوم، ومنهم من طعامه الغسلين، ومنهم من طعامه الضريع، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم من شرابه الصديد، لكل باب منهم جزء مقسوم الثاني : يحتمل أن يكون الغسلين من الضريع ويكون ذلك كقوله : مالي طعام إلا من الشاه، ثم يقول : مالي طعام إلا من اللبن، ولا تناقض لأن اللبن من الشاة.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٤١
السؤال الثاني : كيف يوجد النبت في النار ؟
الجواب : من وجهين : الأول : ليس المراد أن الضريع نبت في النار يأكلونه، ولكنه ضرب مثله، أي إنهم يقتاتون بما لا يشبعهم أو يعذبون بالجوع كما يعذب من قوته الضريع الثاني : لم لا يجوز أن يقال : إن النبت يوجد في النار ؟
فإنه لما لم يستبعد بقاء بدن الإنسان مع كونه لحماً ودماً في النار أبد الآباد، فكذا ههنا وكذا القول في سلاسل النار وأغلالها وعقاربها وحياتها. أما قوله تعالى :
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٤١
١٤٢
فهو مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام أو ضريع، وأما المعنى ففيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن طعامهم ليس من جنس مطاعم الإنس، وذلك لأن هذا نوع من أنواع الشوك والشوك مما يرعاه الإبل، وهذا النوع مما ينفر عنه الإبل، فإذن منفعتا الغذاء منتفيتان عنه، وهما إماطة الجوع وإفادة القوة والسمن في البدن وثانيها : أن يكون المعنى لا طعام لهم أصلاً لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلاً عن الإنس لأن الطعام ما أشبع وأسمن وهو منهما بمعزل، كما تقول : ليس لفلان ظل إلا الشمس تريد نفي الظل على التوكيد وثالثها : روي أن كفار قريش قالت : إن الضريع لتسمن عليه إبلنا، فنزلت :﴿لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِى مِن جُوعٍ﴾ فلا يخلو إما أن يتعنتوا بذلك الكلام كذباً فيرد قولهم بنفي السمن والشبع، وإما أن يصدقوا فيكون المعنى أن طعامهم من ضريع ليس من جنس ضريعكم، إنما هو من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع، قال القاضي : يجب في كل طعامهم أن لا يغني من جوع لأن ذلك نفع ورأفة، وذلك غير جائز في العقاب.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٤٢
١٤٢
اعلم أنه سبحانه لما ذكر وعيد الكفار، أتبعه بشرح أحوال المؤمنين، فذكر وصف أهل الثواب أولاً، ثم وصف دار الثواب ثانياً أما وصف أهل الثواب فبأمرين أحدهما : في ظاهرهم، وهو قوله :﴿نَّاعِمَةٌ﴾ أي ذات بهجة وحسن، كقوله :﴿تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ (المطففين : ٢٤) أو متنعمة.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٤٢
١٤٣
والثاني : في باطنهم وهو قوله تعالى :﴿لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ وفيه تأويلان أحدهما : أنهم حمدوا سعيهم واجتهادهم في العمل لله. لما فازوا بسببه من العاقبة الحميدة كالرجل يعمل العمل فيجزى عليه بالجميل، ويظهر له منه عاقبة محمودة فيقول، ما أحسن ما عملت، ولقد وفقت للصواب فيما صنعت فيثنى على عمل نفسه ويرضاه والثاني : المراد لثواب سعيها في الدنيا راضية إذا شاهدوا ذلك الثواب، وهذا أولى إذ المراد أن الذي يشاهدونه من الثواب العظيم يبلغ حد الرضا حتى لا يريدوا أكثر منه، وأما وصف دار الثواب، فاعلم أن الله تعالى وصفها بأمور سبعة :
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٤٣
١٤٣


الصفحة التالية
Icon