المسألة الثانية : ذكروا فيه وجوهاً أحدها : أنها عشر ذي الحجة لأنها أيام الاشتغال بهذا النسك في الجملة، وفي الخبر ما من أيام العمل الصالح فيه أفضل من أيام العشر وثانيها : أنها عشر المحرم من أوله إلى آخره، وهو تنبيه على شرف تلك الأيام، وفيها يوم عاشوراء ولصومه من الفضل ما ورد به الأخبار وثالثها : أنها العشر الأواخر من شهر رمضان، أقسم الله تعالى بها لشرفها وفيها ليلة القدر، إذ في الخبر اطلبوها في العشر الأخير من رمضان، وكان عليه الصلاة والسلام، إذا دخل العشر الأخير من رمضان شد المئزر، وأيقظ أهله أي كف عن الجماع وأمر أهله بالتهجد، وأما قوله :﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : الشفع والوتر، هو الذي تسميه العرب الخسا والزكا والعامة الزوج والفرد/ قال يونس : أهل العالية يقولون الوتر بالفتح في العدد والوتر بالكسر في الذحل وتميم تقول وتر بالكسر فيهما معاً، وتقول أوترته أوتره إيتاراً أي جعلته وتراً، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :"من استجمر فليوتر" والكسر قراءة الحسن والأعمش وابن عباس، والفتح قراءة أهل المدينة وهي لغة حجازية.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٥٨
المسألة الثانية : اضطرب المفسرون في تفسير الشفع والوتر، وأكثروا فيه، ونحن نرى ما هو الأقرب أحدها : أن الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة، وإنما أقسم الله بهما لشرفهما أما يوم عرفة فهو الذي عليه يدور أمر الحج كما في الحديث الحج عرفة، وأما يوم النحر فيقع فيه القربان وأكثر أمور الحج من الطواف المفروض، والحلق والرمي، ويروى يوم النحر هو يوم الحج الأكبر فلما اختص هذان اليومان بهذه الفضائل لا جرم أقسم الله بهما وثانيها : أن أيام التشريق أيام بقية أعمال الحج فهي أيام شريفة، قال الله تعالى :﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍا فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ (البقرة : ٢٠٣) والشفع هو يومان بعد يوم النحر، الوتر هو اليوم الثالث، ومن ذهب إلى هذا القول قال : حمل الشفع والوتر على هذا أولى من حملهما على العيد وعرفة من وجهين الأول : أن العيد وعرفة دخلا في العشر، فوجب أن يكون المراد بالشفع والوتر غيرهما / الثاني : أن بعض أعمال الحج إنما يحصل في هذه الأيام، فحمل اللفظ على هذا يفيد القسم بجميع أيام أعمال المناسك وثالثها : الوتر آدم شفع بزوجته، وفي رواية أخرى الشفع آدم وحواء والوتر هو الله تعالى ورابعها : الوتر ما كان وتراً من الصلوات كالمغرب والشفع ما كان شفعاً منها، روى عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"هي الصلوات منها شفع ومنها وتر" وإنما أقسم الله بها لأن الصلاة تالية للإيمان، ولا يخفى قدرها ومحلها من العبادات وخامسها : الشفع هو الخلق كله لقوله تعالى :﴿وَمِن كُلِّ شَىْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ (الذاريات : ٤٩) وقوله :﴿وَخَلَقْنَـاكُمْ أَزْوَاجًا﴾ (النبأ : ٨) والوتر هو الله تعالى، وقال بعض المتكلمين : لا يصح أن يقال الوتر هو الله لوجوه الأول : أنا بينا أن قوله :﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ تقديره ورب الشفع والوتر، فيجب أن يراد بالوتر المربوب فبطل ما قالوه الثاني : أن الله تعالى لا يذكر مع غيره على هذا الوجه بل يعظم ذكره حتى يتميز من غيره، وروي أن عليه الصلاة والسلام سمع من يقول الله ورسوله فنهاه، وقال :"قل الله ثم رسوله" قالوا : وما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال :"إن الله وتر يحب الوتر" ليس بمقطوع به وسادسها : أن شيئاً من المخلوقات لا ينفك عن كونه شفعاً ووتراً فكأنه يقال : أقسم برب الفرد والزوج من خلق فدخل كل الخلق تحته، ونظيره قوله :
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٥٨


الصفحة التالية
Icon