﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ﴾ (الحاقة : ٣٩، ٣٨) وسابعها : الشفع درجات الجنة وهي ثمانية، والوتر دركات النار وهي سبعة وثامنها : الشفع صفات الخلق كالعلم والجهل والقدرة والعجز والإرادة والكراهية والحياة والموت، أما الوتر فهو صفة الحق وجود بلا عدم، حياة بلا موت، علم بلا جهل، قدرة بلا عجز، عز بلا ذل وتاسعها : المراد بالشفع والوتر، نفس العدد فكأنه أقسم بالحساب الذي لا بد للخلق منه وهو بمنزلة الكتاب والبيان الذي من الله به على العباد إذ قال :﴿عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الانسَـانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (العلق : ٥، ٤)، وقال :﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ (الرحمن : ٤). وكذلك بالحساب، يعرف مواقيت العبادات والأيام والشهور، قال تعالى :﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ (الرحمن : ٥) وقال :﴿لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَا مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَالِكَ إِلا بِالْحَقِّ ﴾ (يونس : ٥) وعاشرها : قال مقاتل الشفع هو الأيام والليالي والوتر هو اليوم الذي لا ليل بعده وهو يوم القيامة الحادي عشر : الشفع كل نبي له اسمان مثل محمد وأحمد والمسيح وعيسى ويونس وذي النون والوتر كل نبي له اسم واحد مثل آدم ونوح وإبراهيم الثاني عشر : الشفع آدم وحواء والوتر مريم الثالث عشر : الشفع العيون الإثنتا عشرة، التي فجرها الله تعالى لموسى عليه السلام والوتر الآيات التسع التي أوتى موسى في قوله :﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ ءَايَـاتٍ بَيِّنَـاتٍ ﴾ (الإسراء : ١٠١)، الرابع عشر : الشفع أيام عاد والوتر لياليهم لقوله تعالى :﴿سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَـانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ﴾ (الحاقة : ٧) الخامس عشر : الشفع البروج الإثنا عشر لقوله تعالى :﴿جَعَلَ فِى السَّمَآءِ بُرُوجًا﴾ (الفرقان : ٦١) والوتر الكواكب السبعة السادس عشر : الشفع الشهر الذي يتم ثلاثين يوماً، والوتر الشهر الذي يتم تسعة وعشرين يوماً السابع عشر : الشفع الأعضاء والوتر القلب، قال تعالى :﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِه ﴾ (الأحزاب : ٤)، الثامن عشر : الشفع الشفتان / والوتر اللسان قال تعالى :﴿وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ﴾ (البلد : ٩) التاسع عشر : الشفع السجدتان والوتر الركوع العشرون : الشفع أبواب الجنة لأنها ثمانية والوتر أبواب النار لأنها سبعة، واعلم أن الذي يدل عليه الظاهر، أن الشفع والوتر أمران شريفان، أقسم الله تعالى بهما، وكل هذه الوجوه التي ذكرناها محتمل، والظاهر لا إشعار له بشيء من هذه الأشياء على التعيين، فإن ثبت في شيء منها خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أو إجماع من أهل التأويل حكم بأنه هو المراد، وإن لم يثبت، فيجب أن يكون الكلام على طريقة الجواز لا على وجه القطع، ولقائل أن يقول أيضاً : إني أحمل الكلام على الكل لأن الألف واللام في الشفع والوتر تفيد العموم، أما قوله تعالى :﴿وَالَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ ففيه مسألتان :
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٥٨
المسألة الأولى :﴿إِذَا يَسْرِ﴾ إذا يمضي كما قال :﴿وَالَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ (المدثر : ٣٣) وقوله :﴿وَالَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾ (التكوير : ٢٧) وسراها ومضيها وانقضاؤها أو يقال : سراها هو السير فيها، وقال قتادة :﴿إِذَا يَسْرِ﴾ أي إذا جاء وأقبل.
المسألة الثانية : أكثر المفسرين على أنه ليس المراد منه ليلة مخصوصة بل العموم بدليل قوله :﴿وَالَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ ﴿وَالَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾ ولأن نعمة الله بتعاقب الليل والنهار واختلاف مقاديرهما على الخلق عظيمة، فصح أن يقسم به لأن فيه تنبيهاً على أن تعاقبهما بتدبيره مدبر حكيم عالم بجميع المعلومات، وقال مقاتل : هلي ليلة المزدلفة فقوله :﴿إِذَا يَسْرِ﴾ أي إذا يسار فيه كما يقال : ليل نائم لوقوع النوم فيه، وليل ساهر لوقوع السهر فيه، وهي ليلة يقع السري في أولها عند الدفع من عرفات إلى المزدلفة، وفي آخرها كما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقدم ضعفة أهله في هذه الليل، وإنما يجوز ذلك عند الشافعي رحمه الله بعد نصف الليل.
المسألة الثالثة : قال الزجاج : قرىء ﴿إِذَا يَسْرِ﴾ بإثبات الياء، ثم قال : وحذفها أحب إلي لأنها فاصلة والفواصل تحذف منها الياءات، ويدل عليها الكسرات، قال الفراء : والعرب قد تحذف الياء وتكتفي بكسرة ما قبلها، وأنشد :
كفاك كف ما يبقى درهما
جوداً وأخرى تعط بالسيف الدما


الصفحة التالية
Icon