فإذا جاز هذا في غير الفاضلة فهو في الفاصلة أولى، فإن قيل : لم كان الاختيار أن تحذف الياء إذا كان في فاصلة أو قافية، والحرف من نفس الكلمة، فوجب أن يثبت كما أثبت سائر الحروف ولم يحذف ؟
أجاب أبو علي فقال : القول في ذلك أن الفواصل والقوافي موضع وقف والوقف موضع تغيير فلما كان الوقف تغير فيه الحروف الصحيحة بالتضعيف والإسكان وروم الحركة فيها غيرت هذه الحروف المشابهة للزيادة بالحذف، وأما من أثبت الياء في يسري في الوصل والوقف فإنه يقول : الفعل لا يحذف منه في الوقف كما يحذف في الأسماء نحو قاض وغاز، تقول : هو يقضي وأنا أقضي فتثبت الياء ولا تحذف.
وقوله تعالى :﴿هَلْ فِى ذَالِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ﴾ فيه مسألتان :
المسألة الأولى : الحجر العقل سمي به لأنه يمنع عن الوقوع فيما لا ينبغي كما سمي عقلاً ونهية / لأنه يعقل ويمنع وحصاة من الإحصاء وهو الضبط، قال الفراء : والعرب تقول إنه لذو حجر إذا كان قاهراً لنفسه ضابطاً لها كأنه أخذ من قولهم حجرت على الرجل، وعلى هذا سمي العقل حجراً لأنه يمنع من القبيح من الحجر وهو المنع من الشيء بالتضييق فيه.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٥٨
المسألة الثانية : قوله :﴿هَلْ فِى ذَالِكَ قَسَمٌ﴾ استفهام والمراد منه التأكيد كمن ذكر حجة باهرة، ثم قال : هل فيما ذكرته حجة ؟
والمعنى أن من كان ذا لب علم أن ما أقسم الله تعالى به من هذه الأشياء فيه عجائب ودلائل على التوحيد والربوبية، فهو حقيق بأن يقسم به لدلالته على خالقه. قال القاضي : وهذه الآية تدل على ما قلنا : أن القسم واقع برب هذه الأمور لأن هذه الآية دالةعلى أن هذا مبالغة في القسم. ومعلوم أن المبالغة في القسم لا تحصل إلا في القسم بالله، ولأن النهي قد ورد بأن يحلف العاقل بهذه الأمور.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٥٨
١٦٠
واعلم أن في جواب القسم وجهين الأول : أن جواب القسم هو قوله :﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ وما بين الموضعين معترض بينهما الثاني : قال صاحب "الكشاف" : المقسم عليه محذوف وهو لنعذبن الكافرين، يدل عليه قوله تعالى :﴿أَلَمْ تَرَ﴾ إلى قوله ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾ وهذا أولى من الوجه الأول لأنه لما لم يتعين المقسم عليه ذهب الوهم إلى كل مذهب، فكان أدخل في التخويف، فلما جاء بعده بيان عذاب الكافرين دل على أن المقسم عليه أولاً هو ذلك.
أما قوله تعالى :﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : ألم تر، ألم تعلم لأن ذلك مما لا يصح أن يراه الرسول وإنما أطلق لفظ الرؤية ههنا على العلم، وذلك لأن أخبار عاد وثمود وفرعون كانت منقولة بالتواتر أما عاد وثمود فقد كانا في بلاد العرب وأما فرعون فقد كانوا يسمعونه من أهل الكتاب، وبلاد فرعون أيضاً / متصلة بأرض العرب وخبر التواتر يفيد العلم الضروري، والعلم الضروري جار مجرى الرؤية في القوة والجلاء والبعد عن الشبهة، فلذلك قال :﴿أَلَمْ تَرَ﴾ بمعنى ألم تعلم.
المسألة الثانية : قوله :﴿أَلَمْ تَرَ﴾ وإن كان في الظاهر خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلّم لكنه عام لكل من علم ذلك. والمقصود من ذكر الله تعالى حكايتهم أن يكون زجراً للكفار عن الإقامة على مثل ما أدى إلى هلاك عاد وثمود وفرعون وقومه، وليكون بعثاً للمؤمنين على الثبات على الإيمان.
أما قوله تعالى :﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : أنه تعالى ذكر ههنا قصة ثلاث فرق من الكفار المتقدمين وهي عاد وثمود وقوم فرعون على سبيل الإجمال حيث قال :﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾ ولم يبين كيفية ذلك العذاب، وذكر في سورة الحاقة بيان ما أبهم في هذه السورة فقال :﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ﴾ إلى قوله ﴿وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَه وَالْمُؤْتَفِكَـاتُ بِالْخَاطِئَةِ﴾ (الحاقة : ٩) الآية.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٦٠
المسألة الثانية : عاد هو عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح، ثم إنهم جعلوا لفظة عاد اسماً للقبيلة كما يقال لبني هاشم هاشم ولبني تميم تميم، ثم قالوا للمتقدمين من هذه القبيلة عاد الأولى قال تعالى :﴿وَأَنَّه ا أَهْلَكَ عَادًا الاولَى ﴾ (النجم : ٥٠)وللمتأخرين عاد الأخيرة، وأما إرم فهو اسم لجد عاد، وفي المراد منه في هذه الآية أقوال : أحدها : أن المتقدمين من قبيلة عاد كانوا يسمون بعاد الأولى فلذلك يسمون بإرم تسمية لهم باسم جدهم والثاني : أن إرم اسم لبلدتهم التي كانوا فيها ثم قبل تلك المدينة هي الإسكندرية وقيل دمشق والثالث : أن إرم أعلام قوم عاد كانوا يبنونها على هيئة المنارة وعلى هيئة القبور، قال أبو الدقيش : الأروم قبور عاد، وأنشد :
بها أروم كهوادي البخث


الصفحة التالية
Icon