ومن الناس من طعن في قول من قال : إن إرم هي الإسكندرية أو دمشق، قال : لأن منازل عاد كانت بين عمان إلى حضرموت وهي بلاد الرمال والأحقاف، كما قال :﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَه بِالاحْقَافِ﴾ (الأحقاق : ٢١) وأما الإسكندرية ودمشق فليستا من بلاد الرمال.
المسألة الثالثة : إرم لا تنصرف قبيلة كانت أو أرضاً للتعريف والتأنيث.
المسألة الرابعة : في قوله :﴿إِرَمَ﴾ وجهان وذلك لأنا إن جعلناه اسم القبيلة كان قوله :﴿إِرَمَ﴾ عطف بيان لعاد وإيذاناً بأنهم عاد الأولى القديمة وإن جعلناه اسم البلدة أو الأعلام كان التقدير بعاد أهل إرم ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامع، كما في قوله :﴿وَسْـاَلِ الْقَرْيَةَ﴾ (يوسف : ٨٢) ويدل عليه قراءة ابن الزبير بعاد إرم على الإضافة.
المسألة الخامسة : قرأ الحسن :﴿بِعَادٍ * إِرَمَ﴾ مفتوحين وقرىء :﴿بِعَادٍ * إِرَمَ﴾ بسكون الراء على / التخفيف كما قرىء :﴿بِوَرِقِكُمْ﴾ (الكهف : ١٩) وقرىء :﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ بإضافة ﴿إِرَمَ﴾ إلى ﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ وقرىء :﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ بدلاً من فعل ربك، والتقدير : ألم تر كيف فعل ربك بعاد جعل ذات العماد رميماً، أما قوله :﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ ففيه مسألتان :
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٦٠
المسألة الأولى : في إعرابه وجهان وذلك لأنا إن جعلنا :﴿إِرَمَ﴾ اسم القبيلة فالمعنى أنهم كانوا بدويين يسكنون الأخبية والخيام والخبار لا بد فيها من العماد، والعماد بمعنى العمود. وقد يكون جمع العمد أو يكون المراد بذات العماد أنهم طوال الأجسام على تشبيه قدودهم بالأعمدة وقيل : ذات البناء الرفيع، وإن جعلناه اسم البلد فالمعنى أنها ذات أساطين أي ذات أبنية مرفوعة على العمد وكانوا يعالجون الأعمدة فينصبونها ويبنون فوقها القصور، قال تعالى في وصفهم :﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةً تَعْبَثُونَ﴾ (الشعراء : ١٢٨) أي علامة وبناء رفيعاً.
المسألة الثانية : روي أنه كان لعاد ابنان شداد وشديد فملكا وقهرا ثم مات شديد وخلص الأمر لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها. فسمع بذكر الجنة فقال : ابني مثلها، فبنى إرم في بعض صحارى عدن في ثلثمائة سنة وكان عمره تسعمائة سنة وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت وفيها أصناف الأشجار والأنهار، فلما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا، وعن عبد الله بن قلابة أنه خرج في طلب إبل له فوصل إلى جنة شداد فحمل ما قدر عليه مما كان هناك وبلغ خبره معاوية فاستحضره وقص عليه، فبعث إلى كعب فسأله، فقال : هي إرم ذات العماد، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال، يخرج في طلب إبل له، ثم التفت فأبصر ابن (أبي) قلابة فقال : هذا والله هو ذلك الرجل.
أما قوله :﴿الَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى الْبِلَـادِ﴾ فالضمير في مثلها إلى ماذا يعود ؟
فيه وجوه : الأول :﴿لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا﴾ أي مثل عاد في البلاد في عظم الجثة وشدة القوة، كان طول الرجل منهم أربعمائة ذراع وكان يحمل الصخرة العظيمة فيلقيها على الجمع فيهلكوا الثاني : لم يخلق مثل مدينة شداد في جميع بلاد الدنيا، وقرأ ابن الزبير ﴿لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا﴾ أي لم يخلق الله مثلها الثالث : أن الكناية عائدة إلى العماد أي لم يخلق مثل تلك الأساطين في البلاد، وعلى هذا فالعماد جمع عمد، والمقصود من هذه الحكاية زجر الكفار فإنه تعالى بين أنه أهلكهم بما كفروا وكذبوا الرسل، مع الذي اختصوا به من هذه الوجوه، فلأن تكونوا خائفين من مثل ذلك أيها الكفار إذا أقمتم على كفركم مع ضعفكم كان أولى. أما قوله تعالى :﴿وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ﴾ فقال الليث : الجواب قطعك الشيء كما يجاب الجيب يقال جاب يجوب جوباً. وزاد الفراء يجيب جيباً ويقال : جبت البلاد جوباً أي جلت فيها وقطعتها، قال ابن عباس : يجوبون البلاد فيجعلون منها بيوتاً وأحواضاً وما أرادوا من الأبنية، كما قال :﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا﴾ (الأعراف : ٧٤) قيل : أول من نحت الجبال والصخور والرخام / ثمود، وبنوا ألفاً وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة، وقوله :﴿بِالْوَادِ﴾ قال مقاتل : بوادي القرى.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٦٠


الصفحة التالية
Icon