السؤال الثالث : لما قال :﴿فَأَكْرَمَه ﴾ فقد صحح أنه أكرمه. وأثبت ذلك ثم إنه لما حكى عنه أنه قال :﴿رَبِّى أَكْرَمَنِ﴾ ذمه عليه فكيف الجمع بينهما ؟
والجواب : لأن كلمة الإنكار هي قوله :﴿كَلا﴾ فلم لا يجوز أن يقال : إنها مختصة بقوله :﴿رَبِّى أَهَـانَنِ﴾ سلمنا أن الإنكار عائد إليهما معاً ولكن فيه وجوه ثلاثة أحدها : أنه اعتقد حصول الاستحقاق في ذلك الإكرام الثاني : أن نعم الله تعالى كانت حاصلة قبل وجدان المال، وهي نعمة سلامة البدن والعقل والدين، فلما لم يعترف بالنعمة إلا عند وجدان المال، علمنا أنه ليس غرضه من ذلك شكر نعمة الله، بل التصلف بالدنيا والتكثر بالأموال والأولاد الثالث : أن تصلفه بنعمة الدنيا وإعراضه عن ذكر نعمة الآخرة يدل على كونه منكراً للبعث، فلا جرم استحق الذم على ما حكى الله تعالى ذلك، فقال :﴿وَدَخَلَ جَنَّتَه وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِه قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـاذِه أَبَدًا * وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَا ـاِمَةً﴾ إلى قوله :﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ﴾ (الكهف : ٣٧، ٣٥).
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٦٠
السؤال الرابع لم قال في القسم الأول :﴿إِذَا مَا ابْتَلَـاـاهُ رَبُّه فَأَكْرَمَه ﴾ وفي القسم الثاني :﴿وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلَـاـاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَه ﴾ فذكر الأول بالفاء والثاني بالواو ؟
والجواب : لأن رحمة الله سابقة على غضبه وابتلاءه بالنعم سابق على ابتلائه بإنزال الآلام، فالفاء تدل على كثرة ذلك القسم وقبله الثاني على ما قال :﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَآ ﴾ (النحل : ١٨).
السؤال الخامس : لما قال في القسم الأول :﴿فَيَقُولُ رَبِّى أَكْرَمَنِ﴾ يجب أن يقول في القسم الثاني : فأهانه فيقول :﴿رَبِّى أَهَـانَنِ﴾ لكنه لم يقل ذلك والجواب : لأنه في قوله :﴿أَكْرَمَنِ﴾ صادق وفي قوله :﴿أَهَـانَنِ﴾ غير صادق فهو ظن قلة الدنيا وتقتيرها إهانة، وهذا جهل واعتقاد فاسد، فكيف يحكي الله سبحانه ذلك عنه.
السؤال السادس : ما معنى قوله : فقدر عليه رزقه ؟
الجواب : ضيق عليه بأن جعله على مقدار البلغة، وقرىء فقدر على التخفيف وبالتشديد أي قتر، وأكرمن وأهانن بسكون النون في الوقف فيمن ترك الياء في الدرج مكتفياً منها بالكسرة.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٦٠
١٦١
واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم تلك الشبهة قال :﴿كَلا﴾ وهو ردع للإنسان عن تلك المقالة، قال ابن عباس : المعنى لم ابتله بالغنى لكرامته علي، ولم أبتله بالفقر لهوانه علي، بل ذلك إما على مذهب أهل السنة، فمن محض القضاء أو القدر والمشيئة، والحكم الذي تنزه عن التعليل بالعلل، وإما على مذهب المعتزلة فبسبب مصالح خفية لا يطلع عليها إلا هو، فقد يوسع على الكافر لا لكرامته، ويقتر على المؤمن لا لهوانه، ثم إنه تعالى لما حكى من أقوالهم تلك الشبهة فكأنه قال : بل لهم فعل هو شر من هذا القول، وهو أن الله تعالى يكرمهم بكثرة المال، فلا يؤدون ما يلزمهم فيه من إكرام اليتيم، فقال :﴿بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ أبو عمرو : وما بعده بالياء المنقوطة من تحت، وذلك أنه لما تقدم ذكر الإنسان، وكان يراد به الجنس والكثرة، وهو على لفظة الغيبة حمل يكرمون ويحبون عليه، ومن قرأ بالتاء فالتقدير قل لهم يا محمد ذلك.
المسألة الثانية : قال مقاتل : كان قدامة بن مظعون يتيماً في حجر أمية بن خلف، فكان يدفعه عن حقه.
واعلم أن ترك إكرام اليتيم على وجوه أحدها : ترك بره، وإليه الإشارة بقوله :﴿الْيَتِيمَ * وَلا تَحَـا ضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ والثاني : دفعه عن حقه الثابت له في الميراث وأكل ماله، وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَّمًّا﴾ والثالث : أخذ ماله منه وإليه الإشارة بقوله :﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ أي تأخذون أموال اليتامى وتضمونها إلى أموالكم، أما قوله :﴿وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ قال مقاتل : ولا تطعمون مسكيناً، والمعنى لا تأمرون بإطعامه كقوله تعالى :﴿إِنَّه كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ (الحاقة : ٣٤، ٣٣) ومن قرأ ولا تحاضون أراد تتحاضون فحذف تاء تتفاعلون، والمعنى :﴿كَلا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَـا ضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ بضم التاء من المحاضة.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٦١
أما قوله :﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَّمًّا﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قالوا : أصل التراث وراث، والتاء تبدل من الواو المضمومة نحو تجاه ووجاه من واجهت.


الصفحة التالية
Icon