قوله تعالى :﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَـاـاهَا﴾ ذكر المفسرون في ضحاها ثلاثة أقوال قال مجاهد والكلبي : ضوؤها، وقال قتادة : هو النهار كله، وهو اختيار الفراء وابن قتيبة، وقال مقاتل : هو حر الشمس، وتقرير ذلك بحسب اللغة أن نقول : قال الليث : الضحو ارتفاع النهار، والضحى فويق ذلك، والضحاء ممدوداً امتد النهار، وقرب أن ينتصف. وقال أبو الهيثم : الضح نقيض الظل وهو نور الشمس على وجه الأرض وأصله الضحى، فاستثقلوا الياء مع سكون الحاء فقلبوها وقال : ضح، فالضحى هو ضوء الشمس ونورها ثم سمى به الوقت الذي تشرق فيه الشمس على ما في قوله تعالى :﴿إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَـاـاهَا﴾ (النازعات : ٤٦) فمن قال من المفسرين : في ضحاها ضوؤها فهو على الأصل، وكذا من قال : هو النهار كله، لأن جميع النهار هو من نور الشمس، ومن قال : في الضحى إنه حر الشمس فلأن حرها ونورها متلازمان، فمتى اشتد حرها فقد اشتد ضؤوها وبالعكس، وهذا أضعف الأقوال، واعلم أنه تعالى إنما أقسم بالشمس وضحاها لكثرة ما تعلق بها من المصالح، فإن أهل العالم كانوا كالأموات في الليل، فلما ظهر أثر الصبح في المشرق صار ذلك كالصور الذي ينفخ قوة الحياة، فصارت الأموات أحياء، ولا تزال تلك الحياة في الازدياد والقوة والتكامل، ويكون غاية كمالها وقت الضحوة، فهذه الحالة تشبه أحوال القيامة، ووقت الضحى يشبه استقرار أهل الجنة فيها، وقوله :﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَـاـاهَا﴾ قال الليل : تلا يتلو إذا تبع شيئاً وفي كون القمر تالياً وجوه أحدها : بقاء القمر طالعاً عند غروب الشمس، وذلك إنما يكون في النصف الأول من الشهر إذا غربت الشمس، فإذا القمر يتبعها في الإضاءة، وهو قول عطاء عن ابن عباس وثانيها : أن الشمس إذا غربت فالقمر يتبعها ليلة الهلال في الغروب، وهو قول قتادة والكلبي وثالثها : قال الفراء : المراد من هذا التلو هو أن القمر يأخذ الضوء من الشمس يقال : فلان يتبع فلاناً في كذا أي يأخذ منه ورابعها : قال الزجاج : تلاها حين استدار وكمل، فكأنه يتلو الشمس في الضياء والنور يعني إذا كمل ضوؤه فصار كالقائم مقام الشمس في الإنارة، وذلك في الليالي / البيض وخامسها : أنه يتلوها في كبر الجرم بحسب الحس، وفي ارتباط مصالح هذا العالم بحركته، ولقد ظهر في علم النجوم أن بينهما من المناسبة ما ليس بين الشمس وبين غيرها.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٧٦
١٧٦
معنى التجلية الإظهار، والكشف والضمير في جلاها إلى ماذا يعود ؟
فيه وجهان أحدهما : وهو قول الزجاج : أنه عائد إلى الشمس وذلك لأن النهار عبارة عن نور الشمس. فكلما كان النهار أجلى ظهوراً كانت الشمس أجلى ظهوراً، لأن قوة الأثر وكماله تدل على قوة المؤثر، فكان النهار يبرز الشمس ويظهرها، كقوله تعالى :﴿لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلا هُوَ ﴾ أي لا يخرجها الثاني : وهو قول الجمهور ـ أنه عائد إلى الظلمة، أو إلى الدنيا، أو إلى الأرض. وإن لم يجر لها ذكر، يقولون : أصبحت باردة يريدون الغداة، وأرسلت يريدون السماء.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٧٦
١٧٧
يعني يغشى الليل الشمس فيزيل ضوءها، وهذه الآية تقوي القول الأول في الآية التي قبلها من وجهين الأول : إنه لما جعل الليل يغشى الشمس ويزيل ضوءها حسن أن يقال : النهار يجليها، على ضد ما ذكر في الليل والثاني : أن الضمير في يغشاها للشمس بلا خلاف، فكذا في جلاها يجب أن يكون للشمس حتى يكون الضمير في الفواصل من أول السورة إلى ههنا للشمس، قال القفال : وهذه الأقسام الأربعة ليست إلا بالشمس في الحقيقة لكن بحسب أوصاف أربعة أولها : الضوء الحاصل منها عند ارتفاع النهار. وذلك هو الوقت الذي يكمل فيه انتشار الحيوان واضطراب الناس للمعاش، ومنها تلو القمر لها وأخذه الضوء عنها، ومنها تكامل طلوعها وبروزها بمجيء النهار، ومنها وجود خلاف ذلك بمجيء الليل، ومن تأمل قليلاً في عظمة الشمس ثم شاهد بعين عقله فيها أثر المصنوعية والمخلوقية من المقدار المتناهي، والتركب من الأجزاء انتقل منه إلى عظمة خالقها، فسبحانه ما أعظم شأنه.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٧٧
١٧٧
فيه سؤالات :