السؤال الثالث : لم قال :﴿أَلَمْ نَشْرَحْ﴾ ولم يقل ألم أشرح ؟
والجواب : إن حملناه على نون التعظيم، فالمعنى أن عظمة المنعم تدل على عظمة النعمة، فدل ذلك على أن ذلك الشرح نعمة لا تصل العقول إلى كنه جلالتها، وإن حملناه على نون الجميع، فالمعنى كأنه تعالى يقول : لم أشرحه وحدي بل أعملت فيه ملائكتي، فكنت ترى الملائكة حواليك وبين يديك حتى يقوي قلبك، فأديت / الرسالة وأنت قوي القلب ولحقتهم هيبة، فلم يجيبوا لك جواباً، فلو كنت ضيق القلب لضحكوا منك، فسبحان من جعل قوة قلبك جبناً فيهم، وانشراح صدرك ضيقاً فيهم.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٠٩
٢٠٩
ثم قال تعالى :﴿وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِى أَنقَضَ ظَهْرَكَ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال المبرد : هذا محمول على معنى ألم نشرح لا على لفظه، لأنك لا تقول ألم وضعنا ولكن معنى ألم نشرح قد شرحنا، فحمل الثاني على معنى الأول لا على ظاهر اللفظ، لأنه لو كان معطوفاً على ظاهره لوجب أن يقال : ونضع عنك وزرك.
المسألة الثانية : معنى الوزر ثقل الذنب، وقد مر تفسيره عند قوله :﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾ وهو كقوله تعالى :﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنابِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾.
وأما قوله :﴿أَنقَضَ ظَهْرَكَ﴾ فقال علماء اللغة : الأصل فيه أن الظهر إذا أثقل الحمل سمع له نقيض أي صوت خفي، وهو صوت المحامل والرحال والأضلاع، أو البعير إذا أثقله الحمل فهو مثل لما كان يثقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم من أوزاره.
المسألة الرابعة : احتج بهذه الآية من أثبت المعصية للأنبياء عليهم السلام والجواب : عنه من وجهين الأول : أن الذين يجوزون الصغائر على الأنبياء عليهم السلام حملوا هذه الآية عليها، لا يقال : إن قوله :﴿الَّذِى أَنقَضَ ظَهْرَكَ﴾ يدل على كونه عظيماً. فكيف يليق ذلك بالصغائر، لأنا نقول : إنما وصف ذلك بإنقاض الظهر مع كونها مغفورة لشدة اعتمام النبي صلى الله عليه وسلّم بوقوعه منه وتحسره مع ندمه عليه، وأما إنما وصفه بذلك لأن تأثيره فيما يزول به من الثواب عظيم، فيجوز لذلك ما ذكره الله تعالى. هذا تقرير الكلام على قول المعتزلة وفيه إشكال، وهو أن العفو عن الصغيرة واجب على الله تعالى عند القاضي، والله تعالى ذكر هذه الآية في معرض الامتنان، ومن المعلوم أن الامتنان بفعل الواجب غير جائز الوجه الثاني : أن يحمل ذلك على غير الذنب، وفيه وجوه أحدها : قال قتادة : كانت للنبي صلى الله عليه وسلّم ذنوب سلفت منه في الجاهلية قبل النبوة، وقد أثقلته فغفرها له وثانيها : أن المراد منه تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر من القيام بأمرها وحفظ موجباتها والمحافظة على حقوقها، فسهل الله تعالى ذلك عليه، وحط عنه ثقلها بأن يسرها عليه حتى تيسرت له وثالثها : الوزر ما كان يكرهه من تغييرهم لسنة الخليل. وكان لا يقدر على منعهم إلى أن قواه الله، وقال له :
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٠٩


الصفحة التالية
Icon