القول الأول : أنه خطاب مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك لأن الدلائل التي ذكرها في أول هذه السورة جلية ظاهرة، وكل أحد يعلم ببديهة عقله، أن منع العبد من خدمة مولاه فعل باطل وسفه ظاهر، فإذن كل من كذب بتلك الدلائل وتولى عن خدمة مولاه بل منع غيره عن خدمة مولاه يعلم بعقله السليم أنه على الباطل، وأنه لا يفعل ذلك إلا عناداً، فلهذا قال تعالى لرسوله : أرأيت يا محمد إن كذب هذا الكافر بتلك الدلائل الواضحة، وتولى عن خدمة خالقه، ألم يعلم بعقله أن الله يرى منه هذه الأعمال القبيحة ويعلمها، أفلا يزجره ذلك عن هذه الأعمال القبيحة والثاني : أنه خطاب للكافر، والمعنى إن كان يا كافر محمد كاذباً أو متولياً، ألا يعلم بأن الله يرى حتى ينتهي بل احتاج إلى نهيك.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٢٨
٢٢٨
أما قوله :﴿أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : المقصود من الآية التهديد بالحشر والنشر، والمعنى أنه تعالى عالم بجميع المعلومات حكيم لا يهمل، الم لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، فلا بد وأن يوصل جزاء كل أحد إليه بتمامه فيكون هذا تخويفاً شديداً للعصاة، وترغيباً عظيماً لأهل الطاعة.
المسألة الثانية : هذه الآية وإن نزلت في حق أبي جهل فكل من نهى من طاعة الله فهو شريك أبي جهل في هذا الوعيد، ولا يرد عليه المنع من الصلاة في الدار المغصوبة والأوقات المكروهة، لأن المنهى عنه غير الصلاة وهو المعصية، ولا يرد المولى بمنع عبده عن قيام الليل / وصوم التطوع وزوجته عن الاعتكاف، لأن ذلك لاستيفاء مصلحته بإذن ربه لا بغضاً لعبادة ربه.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٢٨
٢٣١
ثم قال تعالى :﴿كَلا﴾ وفيه وجوه أحدها : أنه ردع لأبي جهل ومنه له عن نهيه عن عبادة الله تعالى وأمره بعبادة اللات وثانيها : كلا لن يصل أبو جهل إلى ما يقول إنه يقتل محمداً أو يطأ عنقه، بل تلميذ محمد هو الذي يقتله ويطأ صدره وثالثها : قال مقاتل : كلا لا يعلم أن الله يرى وإن كان يعلم لكن إذا كان لا ينتفع بما يعلم فكأنه لا يعلم.
ثم قال تعالى :﴿لَـاـاِن لَّمْ يَنتَهِ﴾ أو عما هو فيه :﴿لَنَسْفَعَا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَـاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في قوله :﴿لَنَسْفَعَا ﴾ وجوه أحدها : لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار، والسفع القبض على الشيء، وجذبه بشدة، وهو كقوله :﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِى وَالاقْدَامِ﴾ وثانيها : السفع الضرب، أي لنلطمن وجهه وثالثها : لنسودن وجهه، قال الخليل : تقول للشيء إذا لفحته النار لفحاً يسيراً يغير لون البشرة قد سفعته النار، قال : والسفع ثلاثة أحجار يوضع عليها القدر سميت بذلك لسوادها، قال : والسفعة سواد في الخدين. وبالجملة فتسويد الوجهعلامة الإذلال والإهانة ورابعها : لنسمنه قال ابن عباس في قوله :﴿سَنَسِمُه عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ إنه أبو جهل خامسها : لنذلنه.
المسألة الثانية : قرىء لنسفعن بالنون المشددة، أي الفاعل لهذا الفعل هو الله والملائكة، كما قال :﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَـاـاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَـالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ وقرأ ابن مسعود لأسعفن، أي يقول الله تعالى يا محمد. أنا الذي أتولى إهانته، نظيره :﴿هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ﴾، ﴿هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَةَ﴾.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٣١


الصفحة التالية
Icon