المسألة الثالثة : قال :﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ ولم يقل : إن المؤمنين إشارة إلى أنهم أقاموا سوق الإسلام حال كساده، وبذلوا الأموال والمهج لأجله، ولهذا السبب استحقوا الفضيلة العظمى كما قال :﴿لا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَـاتَلَ ﴾ ولفظة :﴿ءَامَنُوا ﴾ أي فعلوا الإيمان مرة.
واعلم أن الذين يعتبرون الموافاة يحتجون بهذه الآية، وذلك لأنها تدل على أن من أتى بالإيمان مرة واحدة فله هذا الثواب، والذي يموت على الكفر لا يكون له هذا الثواب، فعلمنا أنه ما صدر الإيمان عنه في الحقيقة قبل ذلك.
المسألة الرابعة : قوله :﴿وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ من مقابلة الجمع بالجمع، فلا يكلف الواحد بجميع الصالحات، بل لكل مكلف حظ فحظ الغني الإعطاء، وحظ الفقير الأخذ.
المسألة الخامسة : احتج بعضهم بهذه الآية في تفضيل البشر على الملك، قالوا : روى أبو هريرة أنه عليه السلام قال :"أتعجبون من منزلة الملائكة من الله تعالى والذي نفسي بيده لمنزلة العبد المؤمن عند الله يوم القيامة أعظم من ذلك، واقرؤا إن شئتم : أن الذين آمنوا وعملوا / الصالحات أولئك هم خير البرية".
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٥٤
واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف لوجوه : أحدها : ما روى عن يزيد النحوي أن البرية بنو آدم من البرا وهو التراب فلا يدخل الملك فيه البتة وثانيها : أن قوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ غير مختص بالبشر بل يدخل فيه الملك وثالثها : أن الملك خرج عن النص بسائر الدلائل، قالوا : وذلك لأن الفضيلة إما مكتسبة أو موهوبة، فإن نظرت إلى الموهوبة فأصلهم من نور وأصلك من حمأ مسنون، ومسكنهم دار لم يترك فيها أبوك مع الزلة ومسكنكم أرض هي مسكن الشياطين، وأيضاً فمصالحنا منتظمة بهم ورزقنا في يد البعض وروحنا في يد البعض، ثم هم العلماء ونحن المتعلمون، ثم أنظر إلى عظيم همتهم لا يميلون إلى محقرات الذنوب، ومن ذلك فإن الله تعالى لم يحك عنهم سوى دعوى الإلهية حين قال :﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّى إِلَـاهٌ مِّن دُونِه ﴾ أي لو أقدموا على ذنب فهمتهم بلغت غاية لا يليق بها إلا دعوى الربوبية، وأنت أبداً عبد البطن والفرج، وأما العبادة فهم أكثر عبادة من النبي لأنه تعالى مدح النبي بإحياء ثلثي الليل وقال فيهم :﴿يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ﴾ ومرة :﴿لا يَسْـاَمُونَ ﴾ وتمام القول في هذه المسألة قد تقدم في سورة البقرة.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٥٤
٢٥٥
قوله تعالى :﴿جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّـاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الانْهَـارُ خَـالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه ﴾.
اعلم أن التفسير ظاهر ونحن نذكر ما فيها من اللطائف في مسائل :


الصفحة التالية
Icon