فإذا كنت لم أرض منك في تلك الواقعة الحقيرة إلا بالإظهار، وترك المبالاة بأقوال الناس فكيف أرضى منك في هذه المسألة، وهي أعظم المسائل خطراً بالسكوت، قل بصريح لسانك :﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ الرابع والعشرون : يا محمد ألست قلت لك :﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا﴾ ثم إني مع هذه القدرة راعيت جانبك وطيبت قلبك وناديت في العالمين بأني لا أجعل الرسالة مشتركة بينه وبين غيره، بل الرسالة له لا لغيره حيث قلت :﴿وَلَـاكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّـانَ ﴾ / فأنت مع علمك بأنه يستحيل عقلاً أن يشاركني غيري في المعبودية أولى أن تنادي في العالمين بنفي هذه الشركة. فقل :﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ الخامس والعشرون : كأنه تعالى يقول : القوم جاؤك وأطمعوك في متابعتهم لك ومتابعتك لدينهم فسكت عن الأنكار والرد، ألست أنا جعلت البيعة معك بيعة معي حيث قلت :﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ وجعلت متابعتك متابعة لي حيث قلت :﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ ثم إني ناديت في العالمين وقلت :﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِى ءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَا وَرَسُولُه ﴾ فصرح أنت أيضاً بذلك، و: ﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾، السادس والعشرون : كأنه تعالى يقول : ألست أرأف بك من الولد بولده، ثم العرى والجوع مع الوالد أحسن من الشبع مع الأجانب، كيف والجوع لهم لأن أصنامهم جائعة عن الحياة عارية عن الصفات وهم جائعون عن العلم عارون عن التقوى، فقد جربتني، ألم أجدك يتيماً وضالاً وعائلاً، ألم نشرح لك صدرك، ألم أعطك بالصديق خزينة وبالفاروق هيبة وبعثمان معونة، وبعلي علماً، ألم أكف أصحاب الفيل حين حاولوا تخريب بلدتك، ألم أكف أسلافك رحلة الشتاء والصيف، ألم أعطك الكوقر، ألم أضمن أن خصمك أبتر، ألم يقل جدك في هذه الأصنام بعد تخريبها :﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِى عَنكَ شَيْـاًا﴾ فصرح بالبراءة عنها و:
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٣٣٤
﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ السابع والعشرون : كأنه تعالى يقول : يا محمد ألست قد أنزلت عليك :﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءَابَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ ثم إن واحداً لو نسبك إلى والدين لغضبت ولأظهرت الإنكار ولبالغت فيه، حتى قلن :"ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح" فإذا لم تسكت عند التشريك في الولادة، فكيف سكت عند التشريك في العبادة بل أظهر الإنكار، وبالغ في التصريح به، و: ﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾، الثامن والعشرون : كأنه تعالى يقول يا محمد ألست قد أنزلت عليك :﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لا يَخْلُقُا أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ فحكمت بأن من سوى بين الإله الخالق وبين الوثن الجماد في المعبودية لا يكون عاقلاً بل يكون مجنوناً/ ثم إني أقسمت وقلت :﴿ا وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ والكفار يقولون : إنك مجنون، فصرح برد مقالتهم فإنها تفيد براءتي عن عيب الشرك، وبراءتك عن عيب الجنون و: ﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾، التاسع والعشرون : أن هؤلاء الكفار سموا الأوثان آلهة، والمشاركة في الاسم لا توجب المشاركة في المعنى، ألا ترى أن الرجل والمرأة يشتركان في الإنسانية حقيقة، ثم القيمية كلها حظ الزوج لأنه أعلم وأقدر، ثم من كان أعلم وأقدر كان له كل الحق في القيمية، فمن لا قدرة له ولا علم البتة كيف يكون له حق في القيومية، بل ههنا شيء آخر : وهو أن امرأة لو ادعاها رجلان فاصطلحا عليها لا يجوز، ولو أقام كل واحد منها بينة على أنها زوجته لم يقض لواحد منهما، والجارية بين إثنين لا تحل لواحد منهما، فإذا لم يحز حصول زوجة لزوجين، ولا أمة بين موليين في حل الوطء / فكيف يعقل عابد واحد بين معبودين بل من جوز أن يصطلح الزوجان على أن تحل الزوجة لأحدهما شهراً، ثم الثاني شهراً آخر كان كافراً، فمن جوز الصلح بين الإله والصنم ألا يكون كافراً فكأنه تعالى يقول لرسوله : إن هذه المقالة في غاية القبح فصرح بالإنكار وقل :﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ الثلاثون : كأنه تعالى يقول أنسيت أني لما خيرت نساءك حين أنزلت عليك :
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٣٣٤