﴿قُل لازْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ إلى قوله :﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾ ثم خشيت من عائشة أن تختار الدنيا، فقلت لها : لا تقولي شيئاً حتى تستأمري أبويك، فقالت : أفي هذا استأمر أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة فناقصة العقل ما توقفت فيما يخالف رضاي أتتوقف فيما يخالف رضاي وأمري مع أني جبار السموات والأرض :﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ الحادي والثلاثون : كأنه تعالى يقول : يا محمد ألست أنت الذي قلت : من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يوقفن مواقف التهم، وحتى أن بعض المشايخ قال لمريده الذي يريد أن يفارقه : لا تخاف السلطان قال : ولم ؟
قال : لأنه يوقع الناس في أحد الخطأين، وإما أن يعتقدوا أن السلطان متدين، لأنه يخالطه العالم الزاهد، أو يعتقدوا أنك فاسق مثله، وكلاهما خطأ، فإذا ثبت أنه يجب البراءة عن موقف التهم فسكوتك يا محمد عن هذا الكلام يجر إليك تهمة الرضا بذلك، لاسيما وقد سبق أن الشيطان ألقى فيما بين قراءتك : تلك الغرانيق العلي منها الشفاعة ترتجي، فأزل عن نفسك هذه التهمة و: ﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ الثاني والثلاثون : الحقوق في الشاهد نوعان حق من أنت تحت يده، وهو مولاك، وحق من هو تحت يدك وهو الولد، ثم أجمعنا على أن خدمة المولى مقدمة على تربية الولد، فإذا كان حق المولى المجازي مقدماً، فبأن يكون حق المولى الحقيقي مقدماً كان أولى، ثم روى أن علياً عليه السلام إستأذن الرسول صلى الله عليه وسلّم في التزوج بابنة أبي جهل فضجر وقال : لا آذن لا آذن لا آذن أن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ويسرني ما يسرها والله لا يجمع بين بنت عدو الله، وبنت حبيب الله، فكأنه تعالى يقول : صرحت هناك بالرد وكررته على سبيل المبالغة رعاية لحق الولد، فههنا أولى أن تصرح بالرد، وتكرره رعاية لحق المولى فقل :﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ ولا أجمع في القلب بين طاعة الحبيب وطاعة العدو الثالث والثلاثون : يا محمد ألست قلت لعمر : رأيت قصراً في الجنة، فقلت : لمن ؟
فقيل : لفتى من قريش، فقلت : من هو، فقالوا : عمر فخشيت غيرتك فلم أدخلها حتى قال عمر : أو أغار عليك يا رسول الله، فكأنه تعالى قال : خشيت غيرة عمر فما دخلت قصره أفما تخشى غيرتي في أن تدخل قلبك طاعة غيري، ثم هناك أظهرت الامتناع فههنا أيضاً أظهر الامتناع و:
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٣٣٤
﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾، الرابع والثلاثون : أترى أن نعمتي عليك دون نعمة الوالدة، ألم أربك ؟
ألم أخلقك ؟
ألم أرزقك ؟
ألم أعطك الحياة والقدرة والعقل والهداية والتوفيق ؟
ثم حين كنت طفلاً عديم العقل وعرفت تربية الأم فلو أخذتك امرأة أجمل وأحسن وأكرم من أمك لأظهرت النفرة ولبكيت / ولو أعطتك الثدي لسددت فمك تقول لا أريد غير الأم لأنها أول المنعم علي، فههنا أولى أن تظهر النفرة فنقول : لا أعبد سوى ربي لأنه أول منعم علي فقل :﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ الخامس والثلاثون : نعمة الإطعام دون نعمة العقل والنبوة، ثم قد عرفت أن الشاة والكلب لا ينسيان نعمة الإطعام ولا يميلان إلى غير من أطعهما فكيف يليق بالعاقل أن ينسى نعمة الإيجاد والإحسان فكيف في حق أفضل الخلق :﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ السادس والثلاثون : مذهب الشافعي أنه يثبت حق الفرقة بواسطة الإعسار بالنفقة فإذا لم تجد من الأنصار تربية حصلت لك حق الفرقة لو كنت متصلاً بها، ﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِى عَنكَ شَيْـاًا﴾ فبتقدير أن كنت متصلاً بها، كان يجب أن تنفصل عنها وتتركها، فكيف وما كنت متصلاً بها أيليق بك أن تقرب الاتصال بها ﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ السابع والثلاثون : هؤلاء الكفار لفرط حماقتهم ظنوا أن الكثرة في الإلهية كالكثرة في المال يزيد به الغني وليس الأمر كذلك بل هو كالكثرة في العيال تزيد به الحاجة فقل : يا محمد لي إله واحد أقوم له في الليل وأصوم له في النهار، ثم بعد لم أتفرغ من قضاء حق ذرة من ذرات نعمه، فكيف ألتزم عبادة آلهة كثيرة :﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ الثامن والثلاثون : أن مريم عليها السلام لما تمثل لها جبريل عليه السلام :﴿قَالَتْ إِنِّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَـنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ فاستعاذت أن تميل إلى جبريل دون الله أفتستجيز مع كمال رجوليتك أن تميل إلى الأصنام :﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا الْكَـافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٣٣٤


الصفحة التالية
Icon