المسألة الثالثة : اعلم أن في إعراب هذه الآية وجوهاً أحدها : أن هو كناية عن اسم الله، فيكون قوله : الله مرتفعاً بأنه خبر مبتدأ، ويجوز في قوله :﴿أَحَدٌ﴾ ما يجوز في قولك : زيد أخوك قائم الثاني : أن هو كناية عن الشأن، وعلى هذا التقرير يكون الله مرتفعاً بالابتداء وأحد خبره، والجملة تكون خبراً عن هو، والتقدير الشأن والحديث : هو أن الله أحد، ونظيره قوله :﴿فَإِذَا هِىَ شَـاخِصَةٌ أَبْصَـارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ إلا أن هي جاءت على التأنيث، لأن في التفسير : اسماً مؤنثاً، وعلى هذا جاء :﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الابْصَـارُ﴾ أما إذا لم يكن في التفسير مؤنث لم يؤنث ضمير القصة، كقوله :﴿إِنَّه مَن يَأْتِ رَبَّه مُجْرِمًا﴾ والثالث : قال الزجاج : تقدير هذه الآية أن هذا الذي سألتم عنه هو الله أحد.
المسألة الرابعة : في أحد وجهان أحدهما : أنه بمعنى واحد، قال الخليل : يجوز أن يقال : أحد إثنان وأصل أحد وحد إلا أنه قلبت الواو همزة للخفيف وأكثر ما يفعلون هذا بالواو المضمومة، والمكسورة كقولهم : وجوه وأجوه وسادة وأسادة والقول الثاني : أن الواحد والأحد ليسا اسمين مترادفين قال الإهري : لا يوصف شيء بالأحدية غير الله تعالى لا يقال : رجل أحد ولا درهم أحدكما يقال : رجل واحد أي فرد به بل أحد صفة من صفات الله تعالى استأثر بها فلا يشركه فيها شيء. ثم ذكروا في الفرق بين الواحد والأحد وجوهاً أحدها : أن الواحد يدخل في الأحد والأحد لا يدخل فيه وثانيها : أنك إذا قلت : فلان لا يقاومه واحد، جاز أن يقال : لكنه يقاومه إثنان بخلاف الأحد، فإنك لو قلت : فلان لا يقاومع أحد لا يجوز أن يقال : لكنه يقاومه إثنان / وثالثها : أن الواحد يستعمل في الإثبات والأحد في النفي، تقول في الإثبات رأيت رجلاً واحداً وتقول في النفي : ما رأيت أحداً فيفيد العموم.
المسألة الخامسة : اختلف القراء في قوله :﴿أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ فقراءة العامة بالتنوين وتحريكه بالكسر هكذا أحدن الله، وهو القياس الذي لا إشكال فيه/ وذلك لأن التنوين من أحد ساكن ولام المعرفة من الله ساكنة، ولما التقى ساكنان حرك الأول منهما بالكسر، وعن أبي عمرو، أحد الله بغير تنوين، وذلك أن النون شابهت حروف اللين في أنها تزاد كما يزدن فلما شابهتها أجريت مجراها في أن حذفت ساكنة لالتقاء الساكنين كما حذفت الألف والواو والياء لذلك نحو غزا القوم ويغزو القوم، ويرمي القوم، ولهذا حذفت النون الساكنة في الفعل نحو :﴿لَمْ يَكُ﴾ ﴿وَلا تَكُ فِى ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ﴾ فكذا ههنا حذفت في أحد الله لالتقاء الساكنين كما حذفت هذه الحروف.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٣٦٩
وقد ذكرنا هذا مستقصى عند قوله :﴿عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ وروى أيضاً عن أبي عمرو :﴿أَحَدٌ * اللَّهُ﴾ وقال : أدركت القراء يقرؤونها كذلك وصلا على السكون، قال أبو علي : قد تجري الفواصل في الإدراج مجراها في الوقف وعلى هذا قال من قال :﴿فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَآ﴾ ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْه قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ﴾ لما كان أكثر القراء فيما حكاه أبو عمرو على الوقف أجراه في الوصل مجراه في الوقف لاستمرار الوقف عليه وكثرته في ألسنتهم، وقرأ الأعمش :﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ فإن قيل : لماذا ؟
قيل : أحد على النكرة، قال الماوردي : فيه وجهان أحدهما : حذف لام التعريف على نية إضمارها والتقدير قل : هو الله الأحد والثاني : أن المراد هو التنكير على سبيل التعظيم.


الصفحة التالية
Icon