المسألة الأولى : قال الشافعي رضي الله عنه : لو أوصى لأقارب زيد دخل فيه الوارث المحرم وغير المحرم، ولا يدخل الأب والابن لأنهما لا يعرفان بالقريب، ويدخل الأحفاد والأجداد، وقيل : لا يدخل الأصول والفروع وقيل بدخول الكل. وههنا دقيقة، وهي أن العرب يحفظون الأجداد العالية فيتسع نسلهم وكلهم أقارب، فلو ترقينا إلى الجد العالي وحسبنا أولاده كثروا، فلهذا قال الشافعي رضي الله عنه : يرتقي إلى أقرب جد ينتسب هو إليه ويعرف به وإن كان كافراً، وذكر الأصحاب في مثاله : أنه لو أوصى لأقارب الشافعي رضي الله عنه فإنا نصرفه إلى بني شافع دون بني المطلب وبني عبد مناف وإن كانوا أقارب، لأن الشافعي ينتسب في المشهور إلى شافع دون عبد مناف. قال الشيخ الغزالي : وهذا في زمان الشافعي، أما في زماننا فلا ينصرف إلا إلى أولاد الشافعي رضي الله عنه ولا يرتقي إلى بني شافع لأنه أقرب من يعرف به أقاربه في زماننا، أما قرابة الأم فإنها تدخل في وصية العجم ولا تدخل في وصية العرب على الأظهر، لأنهم لا يعدون ذلك قرابة، أما لو قال لأرحام فلان دخل فيه قرابة الأب والأم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٦٨
المسألة الثانية : اعلم أن حق ذي القربى كالتابع لحق الوالدين لأن الإنسان إنما يتصل به أقرباؤه بواسطة اتصالهم بالوالدين والاتصال بالوالدين مقدم على الاتصال بذي القربى، فلهذا أخر الله ذكره عن الوالدين، وعن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال :"إن الرحم سجنة من الرحمن فإذا كان يوم القيامة يقول : أي رب إني ظلمت، إني أسيء إلي، إني قطعت. قال فيجيبها ربها : ألا ترضين أني أقطع من قطعك وأصل من وصلك، ثم قرأ ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِى الارْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾، والسبب العقلي في تأكيد رعاية هذا الحق أن القرابة مظنة الاتحاد والألفة والرعاية والنصرة، فلو لم يحصل شيء من ذلك لكان ذلك أشق على القلب وأبلغ في الإيلام والإيحاش والضرورة، وكلما كان أقوى كان دفعه أوجب، فلهذا وجبت رعاية حقوق الأقارب.
التكليف الرابع : قوله تعالى :﴿وَالْيَتَـامَى ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : اليتيم الذي مات أبوه حتى يبلغ الحلم وجمعه أيتام ويتامى، كقولهم : نديم وندامى، ولا يقال لمن ماتت أمه إنه يتيم. قال الزجاج : هذا في الإنسان، أما في غير الإنسان فيتمه من قبل أمه.
المسألة الثانية : اليتيم كالتالي لرعاية حقوق الأقارب وذلك لأنه لصغره لا ينتفع به وليتمه وخلوه عمن يقوم به، يحتاج إلى من ينفعه والإنسان قلما يرغب في صحبة مثل هذا، وإذا كان هذا التكليف شاقاً على النفس لا جرم كانت درجته عظيمة في الدين.
التكليف الخامس : قوله تعالى :﴿وَالْمَسَـاكِينَ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :"والمساكين" واحدها مسكين، أخذ من السكون كأن الفقر قد سكنه وهو أشد فقراً من الفقير عند أكثر أهل اللغة وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه واحتجوا بقوله تعالى :﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ (البلد : ١٦) وعند الشافعي رضي الله عنه : الفقير أسوأ حالاً، لأن الفقير اشتقاقه من فقار الظهر كأن فقاره انكسر لشدة حاجته وهو قول ابن الأنباري. واحتجوا عليه بقوله تعالى :﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَـاكِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ﴾ (الكهف : ٧٩) جعلهم مساكين مع أن السفينة كانت ملكاً لهم.
المسألة الثانية ؛ إنما تأخرت درجتهم عن اليتامى لأن المسكين قد يكون بحيث ينتفع به في الاستخدام فكان الميل إلى مخالطته أكثر من الميل إلى مخالطة اليتامى، ولأن المسكين أيضاً يمكنه الاشتغال بتعهد نفسه ومصالح معيشته، واليتيم ليس كذلك فلا جرم قدم الله ذكر اليتيم على المسكين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٦٨
المسألة الثالثة : الإحسان إلى ذي القربى واليتامى، لا بد وأن يكون مغايراً للزكاة لأن العطف يقتضي التغاير.
التكليف السادس : قوله تعالى :﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي :(حسناً) بفتح الحاء والسين على معنى الوصف للقول، كأنه قال : قولوا للناس قولاً حسناً، والباقون بضم الحاء وسكون السين، واستشهدوا بقوله تعالى :﴿وَوَصَّيْنَا الانسَـانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴾ (العنكبوت : ٨) وبقوله :﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنَا بَعْدَ سُواءٍ﴾ (النحل : ١١) وفيه أوجه، الأول : قال الأخفش : معناه قولاً ذا حسن. الثاني : يجوز أن يكون حسناً في موضع حسناً كما تقول : رجل عدل. الثالث : أن يكون معنى قوله :﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ أي ليحسن قولكم نصب على مصدر الفعل الذي دل عليه الكلام الأول. الرابع : حسناً أي قول هو حسن في نفسه لإفراط حسنه.


الصفحة التالية
Icon