الخبر الثاني : روى مالك في "الموطأ" عن يحيى بن سعيد قال : لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلّم رأى عفريتاً من الجن يطلبه بشعلة من نار كلما التفت رآه، فقال جبريل عليه السلام : ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن طفئت شعلته وخر لفيه، قل : أعوذ بوجه الله الكريم، وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما نزل إلى الأرض، وشر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن.
والخبر الثالث : روى مالك أيضاً في "الموطأ" أن كعب الأخبار كان يقول : أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وبأسمائه كلها ما قد علمت منها وما لم أعلم، من شر ما خلق وذرأ وبرأ.
والخبر الرابع : روى أيضاً مالك أن خالد بن الوليد قال : يا رسول الله، إني أروع في منامي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم قل : أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون.
والخبر الخامس : ما اشتهر وبلغ مبلغ التواتر من خروج النبي صلى الله عليه وسلّم ليلة الجن وقراءته عليهم، ودعوته إياهم إلى الإسلام.
والخبر السادس : روى القاضي أبو بكر في "الهداية" أن عيسى بن مريم عليهما السلام دعا ربه أن يريه موضع الشيطان من بني آدم، فأراه ذلك فإذا رأسه مثل رأس الحية واضع رأسه على قلبه، فإذا ذكر الله تعالى خنس، وإذا لم يذكره وضع رأسه على حبة قلبه.
والخبر السابع : قوله عليه السلام :"إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم" وقال :"ما منكم أحد إلا وله شيطان" قيل : ولا أنت يا رسول الله ؟
قال :"ولا أنا، إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم" والأحاديث في ذلك كثيرة، والقدر الذي ذكرناه كاف.
خلق الجن من النار :
المسأل الثالثة : في بيان أن الجن مخلوق من النار : والدليل عليه قوله تعالى :﴿وَالْجَآنَّ خَلَقْنَـاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾ (الحجر : ٢٧) وقال تعالى حاكياً عن إبليس لعنه الله أنه قال :﴿خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَه مِن طِينٍ﴾ (الأعراف : ١٢) واعلم أن حصول الحياة في النار غير مستبعد، ألا ترى أن الأطباء قالوا : المتعلق الأول للنفس هو القلب والروح، وهما في غاية السخونة، وقال جالينوس : إني بقرت مرة بطن قرد فأدخلت يدي في بطنه، وأدخلت أصبعي في قلبه فوجدته في غاية السخونة بل تزيد، ونقول : أطبق الأطباء على أن الحياة لا تحصل إلا بسبب الحرارة الغريزية، وقال بعضهم : الأغلب على الظن أن كرة النار تكون مملوءة من الروحانيات.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
سبب تسمية الجن جنا :
المسألة الرابعة : ذكروا قولين في أنهم لم سموا بالجن، الأول : أن لفظ الجن مأخوذ من الاستتار، ومنه الجنة لاستتار أرضها بالأشجار، ومنه الجنة لكونها ساترة للإنسان، ومنه الجن لاستتارهم عن العيون، ومنه المجنون لاستتار عقله، ومنه الجنين لاستتاره في البطن ومنه قوله تعالى :﴿اتَّخَذْوا أَيْمَـانَهُمْ جُنَّةً﴾ (المجادلة : ١٦، المنافقون : ٢) أي وقاية وستراً، واعلم أن هذا القول يلزم أن تكون الملائكة من الجن لاستتارهم عن العيون، إلا أن يقال : إن هذا من باب تقييد المطلق بسبب العرف. والقول الثاني : أنهم سموا بهذا الاسم لأنهم كانوا في أول أمرهم خزان الجنة والقول الأول أقوى.
طوائف المكلفين :
المسألة الخامسة : اعلم أن طوائف المكلفين أربعة : الملائكة، والإنس، والجن، والشياطين، واختلفوا في الجن والشياطين فقيل : الشياطين جنس والجن جنس آخر، كما أن الإنسان جنس والفرس جنس آخر، وقيل : الجن منهم أخيار ومنهم أشرار والشياطين اسم لأَشرار الجن.
تسلط الجن على الإنس :
المسألة السادسة : المشهور أن الجن لهم قدرة على النفوذ في بواطن البشر، وأنكر أكثر المعتزلة ذلك، أما المثبتون فقد احتجوا بوجوه : الأول : أنه إن كان الجن عبارة عن موجود / ليس بجسم ولا جسماني فحينئذٍ يكون معنى كونه قادراً على النفوذ في باطنه أنه يقدر على التصرف في باطنه، وذلك غير مستبعد، وإن كان عبارة عن حيوان هوائي لطيف نفاذ كما وصفناه كان نفاذه في باطن بني آدم أيضاً غير ممتنع قياساً على النفس وغيره. الثاني : قوله تعالى :﴿لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَـانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾. (البقرة : ٢٧٥) الثالث : قوله عليه السلام :"إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم.


الصفحة التالية
Icon