في المسجد وبه يقول أحمد وإسحق وعطاء بن يسار، وكان إذا مر عليه بعض من يبيع في المسجد قال : عليك بسوق الدنيا فإنما هذا سوق الآخرة، وكان لسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم رحبة إلى جنب المسجد سماها البطحاء، وقال : من أراد أن يلغط أو ينشد شعراً أو يرفع صوتاً فليخرج إلى هذه الرحبة/ واعلم أن الحديث الذي رويناه يدل على كراهية التحلق والاجتماع يوم الجمعة قبل الصلاة لمذاكرة العلم، بل يشتغل بالذكر والصلاة والإنصات للخطبة، ثم لا بأس بالاجتماع والتحلق بعد الصلاة، وأما طلب الضالة في المسجد، ورفع الصوت بغير الذكر، فمكروه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل : لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام قال :"إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا : لا أربح الله تجارتك"، قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله : ويدخل في هذا كل أمر لم يبن له المسجد من أمور معاملات الناس، واقتضاء حقوقهم، وقد كره بعض / السلف المسألة في المسجد، وكان بعضهم يرى أن لا يتصدق على السائل المتعرض في المسجد، وورد النهي عن إقامة الحدود في المساجد، قال عمر فيمن لزمه حد : أخرجاه من المسجد، ويذكر عن علي رضي الله عنه مثله، وقال معاذ بن جبل : إن المساجد طهرت من خمس : من أن يقام فيها الحدود أو يقبض فيها الخراج، أو ينطق فيها بالأشعار أو ينشد فيها الضالة أو تتخذ سوقاً، ولم ير بعضهم بالقضاء في المسجد بأساً، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لاعن بين العجلاني وامرأته في المسجد ولاعن عمر عند منبر النبي صلى الله عليه وسلّم وقضى شريح والشعبي ويحيى بن يعمر في المسجد وكان الحسن وزرارة بن أوفى يقضيان في الرحبة خارجاً من المسجد. الثامن : في النوم في المسجد في الصحيحين : عن عباد بن تميم عن عمه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم مستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رجليه على الأخرى وعن ابن شهاب قال : كان ذلك من عمر وعثمان وفيه دليل على جواز الاتكاء والاضطجاع وأنواع الاستراحة في المسجد مثل جوازها في البيت، إلا الانبطاح فإنه عليه الصلاة والسلام نهى عنه وقال : أنها ضجعة يبغضها الله، وعن نافع أن عبد الله كان شاباً أعزب لا أهل له فكان ينام في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورخص قوم من أهل العلم في النوم في المسجد، وقال ابن عباس : لا تتخذوه مبيتاً أو مقيلاً. التاسع : في كراهية البزاق في المسجد عن أنس عن النبي عليه الصلاة والسلام قال :"البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها"، وفي الصحيح عن أبي ذر قال عليه الصلاة والسلام :"عرضت عليّ أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت من محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساويء أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن" وفي الحديث :"إن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة في النار"، أي ينضم وينقبض، فقال بعضهم : المراد أن كونه مسجداً يقتضي التعظيم والقاء النخامة يقتضي التحقير، وبينهما منافاة، فعبر عليه الصلاة والسلام عن تلك المنافاة بقوله : لينزوي، وقال آخرون : أراد أهل المسجد وهم الملائكة، وفي الصحيحين عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه فإنه يناجي الله ما دام في مصلاه، ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكاً، ولكن ليبصق عن شماله أو تحت رجليه فيدفنه". وعن أنس أنه عليه الصلاة والسلام رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه حتى رؤي في وجهه فقام فحكه بيده وقال :"إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه فلا يبزقن أحدكم في قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدمه قال : ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض وقال : يفعل هكذا" أخرجه البخاري في صحيحه. العاشر : في الثوم والبصل : في الصحيحين عن أنس وابن عمر وجابر قال عليه الصلاة والسلام :"من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس"/ وعن جابر أنه عليه الصلاة والسلام قال :"من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزل مسجدنا" وأن النبي عليه الصلاة والسلام أتى بقدر فيه خضر فوجد لها ريحاً، فسأل فأخبر بما فيه من البقول، فقال :"قربوها إلى بعض من كان حاضراً، وقال / له كل فإني أناجي من لا تناجي" أخرجاه في الصحيحين. الحادي عشر : في المساجد في الدور، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم ببناء المسجد في الدور، وأن ينظف ويطيب، أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المسجد ومعه أصحابه إذ جاء أعرابي فبال في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم : مه مه، فقال عليه الصلاة والسلام :"لا تزرموه"، ثم دعاه فقال :"إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من العذرة والبول والخلاء، إنما هي لقراءة القرآن وذكر الله والصلاة"،


الصفحة التالية
Icon