القول الثاني : وهو قول من زعم أن هذه الآية نزلت في أمر سوى الصلاة فلهم أيضاً وجوه : أولها : أن المعنى أن هؤلاء الذين ظلموا بمنع مساجدي أن يذكر فيها اسمي وسعوا في خرابها أولئك لهم كذا وكذا، ثم أنهم أينما ولوا هاربين عني وعن سلطاني فإن سلطاني يلحقهم، وقدرتي تسبقهم وأنا عليم بهم، لا يخفى علي مكانهم وفي ذلك تحذير من المعاصي وزجر عن ارتكابها، وقوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ نظير قوله :﴿إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ فَانفُذُوا ا لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَـانٍ﴾ (الرحمن : ٣٣) فعلى هذا يكون المراد منه سعة العلم، وهو نظير :﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾ (الحديد : ٤) وقوله :﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَـاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ (المجادلة : ٧) وقوله :﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا﴾ (غافر : ٧) وقوله :﴿وَسِعَ كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًا﴾ (طه : ٩٨) أي عم كل شيء بعلمه وتدبيره وإحاطته به وعلوه عليه. وثانيها : قال قتادة : إن النبي عليه السلام قال :"إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه، قالوا : نصلي على رجل ليس بمسلم" فنزل قوله تعالى :﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَـاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِـاَايَـاتِ﴾ (آل عمران : ١٩٩) فقالوا : إنه كان يصلي إلى غير القبلة، أنزل الله تعالى :﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُا فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه ﴾ ومعناها أن الجهات التي يصلي إليها أهل الملل من شرق وغرب وما بينهما، كلها لي فمن وجه وجهه نحو شيء منها بأمر يريدني ويبتغي طاعتي وجدني هناك أي وجد ثوابي فكان في هذا عذر للنجاشي وأصحابه الذين ماتوا على استقبالهم المشرق وهو نحو قوله تعالى :﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـانَكُمْ ﴾ (البقرة : ١٤٣). وثالثها :/ لما نزل قوله تعالى :﴿ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ (غافر : ٦٠) قالوا : أين ندعوه فنزلت هذه الآية، وهو قول الحسن ومجاهد والضحاك. ورابعها : أنه خطاب للمسلمين، أي لا يمنعكم تخريب من خرب مساجد الله عن ذكره حيث كنتم من أرضه فلله المشرق والمغرب والجهات كلها، وهو قول علي بن عيسى. وخامسها : من الناس من يزعم أنها نزلت في المجتهدين الوافين بشرائط الاجتهاد سواء كان في الصلاة أو في غيرها، والمراد منه أن المجتهد إذا رأى بشرائط الاجتهاد فهو مصيب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨
المسألة الثانية : إن فسرنا الآية بأنها تدل على تجويز التوجه إلى أي جهة أريد، فالآية منسوخة وإن فسرناها بأنها تدل على نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فالآية ناسخة، وإن فسرناها بسائر الوجوه فهي لا ناسخة ولا منسوخة.
المسألة الثالثة : اللام في قوله تعالى :﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ﴾ لام الاختصاص أي هو خالقهما ومالكهما، وهو كقوله :﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ (الرحمن : ١٧) وقوله :﴿قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ثم أنه سبحانه أشار بذكرهما إلى ذكر من بينهما من المخلوقات، كما قال :﴿ثُمَّ اسْتَوَى ا إِلَى السَّمَآءِ وَهِىَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلارْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآاـاِعِينَ﴾ (فصلت : ١١).


الصفحة التالية
Icon