النكتة الثالثة عشرة : الشيطان اسم، والرجيم صفة، ثم إنه تعالى لم يقتصر على الاسم بل ذكر الصفة فكأنه تعالى يقول إن هذا الشيطان بقي في الخدمة ألوفاً من السنين فهل سمعت أنه ضرنا أو فعل ما يسوءنا ؟
ثم إنا مع ذلك رجمناه حتى طردناه، وأما أنت فلو جلس هذا الشيطان معك لحظة واحدة لألقاك في النار الخالدة فكيف لا تشتغل بطرده ولعنه فقل :(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
النكتة الرابعة عشرة : لقائل أن يقول : لم لم يقل :"أعوذ بالملائكة" مع أن أدون ملك من الملائكة يكفي في دفع الشيطان ؟
فما السبب في أن جعل ذكر هذا الكلب في مقابلة ذكر الله تعالى ؟
وجوابه كأنه تعالى يقول : عبدي إنه يراك وأنت لا تراه، بدليل قوله تعالى :﴿إِنَّه يَرَاـاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُه مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ﴾ (الأعراف : ٢٧) وإنما نفذ كيده فيكم لأنه يراكم وأنتم لا ترونه، / فتمسكوا بمن يرى الشيطان ولا يراه الشيطان، وهو الله سبحانه وتعالى فقولوا : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
النكتة الخامسة عشرة : أدخل الألف واللام في الشيطان ليكون تعريفاً للجنس ؛ لأن الشياطين كثيرة مرئية وغير مرئية، بل المرئي ربما كان أشد، حكي عن بعض المذكرين أنه قال في مجلسه : إن الرجل إذا أراد أن يتصدق فإنه يأتيه سبعون شيطاناً فيتعلقون بيديه ورجليه وقلبه ويمنعونه من الصدقة، فلما سمع بعض القوم ذلك فقال : إني أقاتل هؤلاء السبعين، وخرج من المسجد وأتى المنزل وملأ ذيله من الحنطة وأراد أن يخرج ويتصدق به فوثبت زوجته وجعلت تنازعه وتحاربه حتى أخرجت ذلك من ذيله، فرجع الرجل خائباً إلى المسجد فقال المذكر : ماذا عملت ؟
فقال : هزمت السبعين فجاءت أمهم فهزمتني، وأما إن جعلنا الألف واللام للعهد فهو أيضاً جائز لأن جميع المعاصي برضى هذا الشيطان، والراضي يجري مجرى الفاعل له، وإذا استبعدت ذلك فأعرفه بالمسألة الشرعية، فإن عند أبي حنيفة قراءة الإمام قراءة للمقتدى من حيث رضي بها وسكت خلفه.
النكتة السادسة عشرة : الشيطان مأخوذ من "شطن" إذا بعد فحكم عليه بكونه بعيداً، وأما المطيع فقريب قال الله تعالى :﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ﴾ (العلق : ١٩) والله قريب منك قال الله تعالى :﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ (البقرة : ١٨٦) وأما الرجيم فهو المرجوم بمعنى كونه مرمياً بسهم اللعن والشقاوة وأما أنت فموصول بحبل السعادة قال الله تعالى :﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ﴾ (الفتح : ٢٦) فدل هذا على أنه جعل الشيطان بعيداً مرجوماً، وجعلك قريباً موصولاً، ثم إنه تعالى أخبر أنه لا يجعل الشيطان الذي هو بعيد قريباً لأنه تعالى قال :﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا﴾ (فاطر : ٤٣) فاعرف أنه لما جعلك قريباً فإنه لا يطردك ولا يبعدك عن فضله ورحمته.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
النكتة السابعة عشرة : قال جعفر الصادق : إنه لا بدّ قبل القراءة من التعوذ، وأما سائر الطاعات فإنه لا يتعوذ فيها، والحكمة فيه أن العبد قد ينجس لسانه بالكذب والغيبة والنميمة فأمر الله تعالى العبد بالتعوذ ليصير لسانه طاهراً فيقرأ بلسان طاهر كلاماً أنزل من رب طيب طاهر.
النكتة الثامنة عشرة : كأنه تعالى يقول : إنه شيطان رجيم، وأنا رحمن رحيم، فابعد عن الشيطان الرجيم لتصل إلى الرحمن الرحيم.
النكتة التاسعة عشرة : الشيطان عدوك، وأنت عنه غافل غائب، قال تعالى :﴿إِنَّه يَرَاـاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُه مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ﴾ (الأعراف : ٢٧).
فعلى هذا لك عدو غائب ولك حبيب غالب، لقوله تعالى :﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى ا أَمْرِه ﴾ (يوسف : ٢١) فإذا قصدك العدو الغائب فافزع إلى الحبيب الغالب، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده.
الباب السابع
في المسائل الملتحقة بقوله :(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)
المسألة الأولى : فرق بين أن يقال :"أعوذ بالله" وبين أن يقال :(بالله أعوذ) فإن الأول لا يفيد الحصر، والثاني : يفيده، فلم ورد الأمر بالأول دون الثاني مع أنا بينا أن الثاني أكمل وأيضاً جاء قوله :"الحمد لله" وجاء قوله :"لله الحمد" وأما هنا فقد جاء "أعوذ بالله" وما جاء قوله "بالله أعوذ" فما الفرق ؟