وحففتها بسبعة أملاك حفاً وباركت لأهلها في اللحم واللبن. وفي الصفح الثاني : أنا الله ذوبكة خلقت الرحم وشققت لها اسماً من إسمي من وصلها وصلته ومن قطعها قطعته. وفي الثالث : أنا الله ذوبكة خلقت الخير والشر، فطوبى لمن كان الخير على يديه وويل لمن كان الشر على يديه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١
المسألة الخامسة : في فضائل الحجر والمقام، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال عليه السلام :"الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما ولولا ذلك لأضاءا ما بين المشرق والمغرب وما مسهما ذو عاهة ولا سقيم إلا شفي" وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال عليه السلام :"إنه كان أشد بياضاً من الثلج فسودته خطايا أهل الشرك"، وعن ابن عباس قال عليه السلام :"ليأتين هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق". وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه انتهى إلى الحجر الأسود فقال : إني لأقبلك وإني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقبلك ما قبلتك. أخرجاه في الصحيح.
أما قوله تعالى :﴿وَعَهِدْنَآ إِلَى ا إِبْرَاه مَ وَإِسْمَـاعِيلَ﴾ فالأولى أن يراد به ألزمناهما ذلك وأمرناهما أمراً وثقناً عليهما فيه وقد تقدم من قبل معنى العهد والميثاق.
أما قوله :﴿أَن طَهِّرَا بَيْتِىَ﴾ فيجب أن يراد به التطهير من كل أمر لا يليق بالبيت، فإذا كان موضع البيت وحواليه مصلى وجب تطهيره من الأنجاس والأقذار، وإذا كان موضع العبادة والإخلاص لله تعالى : وجب تطهيره من الشرك وعبادة غير الله. وكل ذلك داخل تحت الكلام ثم إن المفسرين ذكروا وجوهاً. أحدها : أن معنى :﴿طَهِّرَا بَيْتِىَ﴾ ابنياه وطهراه من الشرك وأسساه على التقوى، كقوله تعالى :﴿أَفَمَنْ أَسَّـاسَ بُنْيَـانَه عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ﴾ (التوبة : ١٠٩). وثانيها : عرفا الناس أن بيتي / طهرة لهم متى حجوه وزاروه وأقاموا به، ومجازه : اجعلاه طاهراً عندهم، كما يقال : الشافعي رضي الله عنه يطهر هذا، وأبو حنيفة ينجسه. وثالثها : ابنياه ولا تدعا أحداً من أهل الريب والشرك يزاحم الطائفين فيه، بل أقراه على طهارته من أهل الكفر والريب، كما يقال : طهر الله الأرض من فلان، وهذه التأويلات مبنية على أنه لم يكن هناك ما يوجب إيقاع تطهيره من الأوثان والشرك، وهو كقوله تعالى :﴿وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ﴾ (البقرة : ٢٥) فمعلوم أنهن لم يطهرن من نجس بل خلقن طاهرات، وكذا البيت المأمور بتطهيره خلق طاهراً، والله أعلم. ورابعها : معناه نظفا بيتي من الأوثان والشرك والمعاصي، ليقتدي الناس بكما في ذلك. وخامسها : قال بعضهم : إن موضع البيت قبل البناء كان يلقى فيه الجيف والأقذار فأمر الله تعالى إبراهيم بإزالة تلك القاذورات وبناء البيت هناك، وهذا ضعيف لأن قبل البناء ما كان البيت موجوداً فتطهير تلك العرصة لا يكون تطهيراً للبيت، ويمكن أن يجاب عنه بأنه سماه بيتاً لأنه علم أن مآله إلى أن يصير بيتاً ولكنه مجاز.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١
أما قوله تعالى :﴿لِلطَّآئِفِينَ وَالْعَـاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : العكف مصدر عكف يعكف بضم الكاف وكسرها عكفاً إذا لزم الشيء وأقام عليه فهو عاكف/ وقيل : إذا أقبل عليه لا يصرف عنه وجهه.
المسألة الثانية : في هذه الأوصاف الثلاثة قولان، الأول : وهو الأقرب أن يحمل ذلك على فرق ثلاثة، لأن من حق المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه، فيجب أن يكون الطائفون غير العاكفين والعاكفون غير الركع السجود لتصح فائدة العطف، فالمراد بالطائفين : من يقصد البيت حاجاً أو معتمراً فيطوف به، والمراد بالعاكفين : من يقيم هناك ويجاور، والمراد بالركع السجود : من يصلي هناك. والقول الثاني : وهو قول عطاء : أنه إذا كان طائفاً فهو من الطائفين، وإذا كان جالساً فهو من العاكفين، وإذا كان مصلياً فهو من الرجع السجود.