المسألة الأولى : هذه الآية تمسك بها فريقان من أهل الجهل. الأول : المقلدة قالوا : إن أبناء يعقوب اكتفوا بالتقليد، وهو عليه السلام ما أنكره عليهم فدل على أن التقليد كاف. الثاني : التعليمية. قالوا : لا طريق إلى معرفة الله إلا بتعليم الرسول والإمام والدليل عليه هذه الآية، فإنهم لم يقولوا : نعبد الإله الذي دل عليه العقل، بل قالوا : نعبد الإله الذي أنت تعبده وآباءك يعبدونه وهذا يدل على أن طريق المعرفة هو التعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٤
والجواب : كما أنه ليس في الآية دلالة على أنهم عرفوا الإله بالدليل العقلي، فليس فيها أيضاً دلالة على أنهم ما أقروا بالإله إلا على طريقة التقليد والتعليم، ثم إن القول بالتقليد والتعليم لما بطل بالدليل علمنا أن إيمان القوم ما كان على هذه الطريقة بل كان حاصلاً على سبيل الاستدلال، أقصى ما في الباب أن يقال : فلم لم يذكروا طريقة الاستدلال.
والجواب عنه من وجوه، أولها : أن ذلك أخصر في القول من شرح صفات الله تعالى / بتوحيده وعلمه وقدرته وعدله. وثانيها : أنه أقرب إلى سكون نفس يعقوب عليه السلام فكأنهم قالوا : لسنا نجري إلا على مثل طريقتك فلا خلاف منا عليك فيما نعبده ونخلص العبادة له. وثالثها : لعل هذا إشارة إلى ذكر الدليل على وجود الصانع على ما ذكره الله تعالى في أول هذه السورة في قوله :﴿قَدِيرٌ * يَـا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ (البقرة : ٢١) وههنا مرادهم بقولهم :﴿نَعْبُدُ إِلَـاهَكَ وَإِلَـاهَ ءَابَآئِكَ﴾ أي : نعبد الإله الذي دل عليه وجودك ووجود آبائك وعلى هذا الطريق يكون ذلك إشارة إلى الاستدلال لا إلى التقليد.
المسألة الثانية : قال القفال : وفي بعض التفاسير أن يعقوب عليه السلام لما دخل مصر رأى أهلها يعبدون النيران والأوثان فخاف على بنيه بعد وفاته، فقال لهم هذا القول تحريضاً لهم على التمسك بعبادة الله تعالى. وحكى القاضي عن ابن عباس : أن يعقوب عليه السلام جمعهم إليه عند الوفاة، وهم كانوا يعبدون الأوثان والنيران، فقال : يا بني ما تعبدون من بعدي ؟
قالوا : نعبد إهلك وإله آبائك ثم قال القاضي : هذا بعيد لوجهين. الأول : أنهم بادروا إلى الاعتراف بالتوحيد مبادرة من تقدم منه العلم واليقين. الثاني : أنه تعالى ذكر في الكتاب حال الأسباط من أولاد يعقوب وأنهم كانوا قوماً صالحين وذلك لا يليق بحالهم.
المسألة الثالثة : قوله :﴿إِبْرَاه مَ وَإِسْمَـاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ﴾ عطف بيان لآبائك. قال القفال : وقيل أنه قدم ذكر إسماعيل على إسحاق لأن إسماعيل كان أسن من إسحاق.
المسألة الرابعة : قال الشافعي رضي الله عنه : الأخوة والأخوات للأب والأم أو للأب لا يسقطون بالجد وهو قول عمر وعثمان وعلي وعبد الله بن مسعود وزيد رضي الله عنهم وهو قول مالك وأبي يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة : إنهم يسقطون بالجد وهو قول أبو بكر الصديق وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، ومن التابعين قول الحسن وطاوس وعطاء، أما الأولون وهم الذين يقولون : إنهم لا يسقطون بالجد فلهم قولان. أحدهما : أن الجد خير الأمرين : إما المقاسمة معهم أو ثلث جميع المال، ثم الباقي بين الأخوة والأخوات للذكر مثل حظ الأنثيين وهذا مذهب زيد ابن ثابت وقول الشافعي رضي الله عنه. والثاني : أنه بمنزلة أحد الأخوة ما لم تنقصه المقاسمة من السدس فإن نقصته المقاسمة من السدس أعطى السدس ولم ينقص منه شيء واحتج أبو حنيفة على قوله بأن الجد أب والأب يحجب الأخوات والأخوة فيلزم أن يحجبهم الجد، وإنما قلنا : إن الجد أب للآية والأثر. أما الآية فاثنان هذه الآية وهي قوله تعالى :﴿نَعْبُدُ إِلَـاهَكَ وَإِلَـاهَ ءَابَآئِكَ إِبْرَاه مَ وَإِسْمَـاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ﴾ فأطلق لفظ الأب على الجد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٤
فإن قيل : فقد أطلقه في العم وهو إسماعيل مع أنه بالاتفاق ليس بأب.
قلنا : الاستعمال دليل الحقيقة ظاهراً ترك العمل به في حق العم لدليل قام فيه فيبقى في الباقي حجة الآية الثانية قوله تعالى مخبراً عن يوسف عليه السلام :﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَآءِى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾ (يوسف : ٣٨).