المسألة الثالثة : الآية دالة على أن الأبناء لا يثابون على طاعة الآباء بخلاف قول اليهود من أن صلاح آبائهم ينفعهم، وتحقيقه ما روي عنه عليه السلام أنه قال :"يا صفية عمة محمد، يا فاطمة بنت محمد، ائتوني يوم القيامة بأعمالكم لا بأنسابكم فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً". وقال :"ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه". وقال الله تعالى :﴿فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَـاـاِذٍ وَلا يَتَسَآءَلُونَ﴾ (المؤمنون : ١٠١) وقال تعالى :﴿لَّيْسَ بِأَمَـانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ الْكِتَـابِا مَن يَعْمَلْ سُواءًا يُجْزَ بِه ﴾ (النساء : ١٢٣) وكذلك قوله تعالى :﴿وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ (الأنعام : ١٦٤) وقال :﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ﴾ (النور : ٥٤).
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٤
المسألة الرابعة : الآية تدل على بطلان قول من يقول : الأبناء يعذبون بكفر آبائهم، وكان اليهود يقولون : إنهم يعذبون في النار لكفر آبائهم باتخاذ العجل. وهو قوله تعالى :﴿وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ﴾ (البقرة : ٨٠) وهي أيام عبادة العجل فبين الله تعالى بطلان ذلك.
المسألة الخامسة : الآية دالة على أن العبد مكتسب وقد اختلف أهل السنة والمعتزلة في تفسير الكسب. أما أهل السنة فقد اتفقوا على أنه ليس معنى كون العبد مكتسباً دخول شيء من الأعراض بقدرته من العدم إلى الوجود، ثم بعد اتفاقهم على هذا الأصل ذكروا لهذا الكسب ثلاث تفسيرات. أحدها : وهو قول الأشعري رضي الله عنه أن القدرة صفة متعلقة بالمقدور من غير تأثير القدرة في المقدور، بل القدرة والمقدور حصلا بخلق الله تعالى، كما أن العلم والمعلوم حصلا بخلق الله تعالى، لكن الشيء الذي حصل بخلق الله تعالى وهو متعلق القدرة الحادثة هو الكسب. وثانيها :/ أن ذات الفعل توجد بقدرة الله تعالى، ثم يحصل لذلك الفعل وصف كونه طاعة أو معصية وهذه الصفة حاصلة بالقدرة الحادثة. وهو قول أبي بكر الباقلاني. وثالثها : أن القدرة الحادثة والقدرة القديمة، إذا تعلقتا بمقدور واحد وقع المقدور بهما، وكأنه فعل العبد وقع بإعانة الله، فهذا هو الكسب وهذا يعزى إلى أبي إسحاق الأسفرايني لأنه يروى عنه أنه قال الكسب والفعل الواقع بالمعين.
أما القائلون بأن القدرة الحادثة مؤثرة، فهم فريقان. الأول : الذين يقولون بأن القدرة مع الداعي توجب الفعل، فالله تعالى هو الخالق للكل بمعنى أنه سبحانه وتعالى هو الذي وضع الأسباب المؤدية إلى دخول هذه الأفعال في الوجود والعبد هو المكتسب بمعنى أن المؤثر في وقوع فعله هو القدرة، والداعية القائمتان به، وهذا مذهب إمام الحرمين رحمه الله تعالى اختاره في الكتاب الذي سماه بالنظامية ويقرب قول أبي الحسين البصري منه وإن كان لا يصرح به.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٤