﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَآءُ وَلَـاكِن لا يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة : ١٣). ورابعها : أنه يدخل فيه الكل لأن لفظ السفهاء لفظ عموم دخل فيه الألف واللام، وقد بينا صلاحيته لكل الكفار بحسب الدليل العقلي والنص أيضاً يدل عليه وهو قوله :﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاه مَ إِلا مَن سَفِهَ نَفْسَه ﴾ (البقرة : ١٣٠) فوجب أن يتناول الكل. قال القاضي : المقصود من الآية بيان وقوع هذا الكلام منهم في الجملة وإذا كان كذلك لم يكن ادعاء العموم فيه بعيداً قلنا : هذا القدر لا ينافي العموم ولا يقتضي تخصيصه بل الأقرب أن يكون الكل قد قال ذلك لأن الأعداء مجبولون على القدح والطعن فإذا وجدوا مجالاً لم يتركوا مقالاً ألبتة.
أما قوله تعالى :﴿مَا وَلَّـاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : ولاه عنه صرفه عنه وولى إليه بخلاف ولى عنه ومنه قوله :﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَـاـاِذٍ دُبُرَه ﴾ (الأنفال : ١٦) وقوله :﴿مَا وَلَّـاهُمْ﴾ استفهام على جهة الاستهزاء والتعجب.
المسألة الثانية : في هذا التولي وجهان. الأول : وهو المشهور المجمع عليه عند المفسرين : أنه لما حولت القبلة إلى الكعبة من بيت المقدس عاب الكفار المسلمين فقالوا : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فالضمير في قوله :﴿مَا وَلَّـاهُمْ﴾ للرسول والمؤمنين والقبلة التي كانوا عليها هي بيت المقدس، واختلفت الروايات في أنه عليه الصلاة والسلام متى حول القبلة بعد ذهابه إلى المدينة فعن أنس بن مالك رضي الله عنه بعد تسعة أشهر أو عشرة أشهر، وعن معاذ بعد ثلاثة عشر شهراً وعن قتادة بعد ستة عشر شهراً وعن ابن عباس والبراء بن عازب بعد سبعة عشر شهراً، وهذا القول أثبت عندنا من سائر الأقوال وعن بعضهم ثمانية عشر شهراً من مقدمه. قال الواقدي : صرفت القبلة يوم الاثنين النصف من رجب على رأس سبعة عشر شهراً، وقال آخرون : بل سنتان. الوجه الثاني : قول أب مسلم وهو أنه لما صح الخبر بأن الله تعالى حوله عن بيت المقدس إلى الكعبة وجب القول به، ولولا ذلك لاحتمل لفظ الآية أن يراد بقوله كانوا عليها، أي السفهاء كانوا عليها فإنهم كانوا لا يعرفون إلا قبلة اليهود وقبلة النصارى، فالأولى إلى المغرب والثانية إلى المشرق، وما جرت عادتهم بالصلاة حتى يتوجهوا إلى شيء من الجهات فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم متوجهاً نحو الكعبة كان ذلك عندهم مستنكراً، فقالوا : كيف يتوجه أحد إلى هاتين الجهتين المعروفتين، فقال الله تعالى راداً عليهم ؛ ﴿قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ﴾ واعلم أن أبا مسلم صدق فإنه لولا الروايات الظاهرة لكان هذا القول محتملاً والله أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧٨
المسألة الثالثة : قال القفال : القبلة هي الجهة التي يستقبلها الإنسان، وهي من المقابلة، وإنما سميت القبلة قبلة لأن المصلي يقابلها وتقابله، وقال قطرب : يقولون في كلامهم ليس لفلان قبلة، أي ليس له جهة يأوي إليها، وهو أيضاً مأخوذ من الإستقبال، وقال غيره : إذ تقابل الرجلان فكل واحد منهما قبلة للآخر، وقال بعض المحدثين :
جعلت مأواك لي قرارا
وقبلة حيثما لجأت