المسألة الخامسة : قال أبو عبيد : ذكر الاسم في قوله :"بسم الله" صلة زائدة، والتقدير بالله قال، وإنما ذكر لفظة الاسم : إما للتبرك، وإما ليكون فرقاً بينه وبين القسم، وأقول / والمراد من قوله :"بسم الله" قوله : ابدؤا بسم الله، وكلام أبي عبيد ضعيف ؛ أونا لما أمرنا بالابتداء فهذا الأمر إنما يتناول فعلاً من أفعالنا، وذلك الفعل هو لفظنا وقولنا، فوجب أن يكون المراد أبدأ بذكر الله، والمراد أبدأ ببسم الله، وأيضاً فالفائدة فيه أنه كما أن ذات الله تعالى أشرف الذوات فكذلك ذكره أشرف الأذكار، واسمه أشرف الأسماء، فكما أنه في الوجود سابق على كل ما سواه وجب أن يكون ذكره سابقاً على كل الأذكار، وأن يكون اسمه سابقاً على كل الأسماء، وعلى هذا التقدير فقد حصل في لفظ الاسم هذه الفوائد الجليلة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
الباب الثاني
فيما يتعلق بهذه الكلمة من القراءة والكتابة
أما المباحث المتعلقة بالقراءة فكثيرة : ـ
الوقف على كلمات البسملة :
المسألة الأولى : أجمعوا على أن الوقف على قوله :"بسم" ناقص قبيح، وعلى قوله :"بسم الله" أو على قوله :"بسم الله الرحمن" كاف صحيح، وعلى قوله :"بسم الله الرحمن الرحيم" تام واعلم أن الوقف لا بدّ وأن يقع على أحد هذه الأوجه الثلاثة، وهو أن يكون ناقصاً، أو كافياً أو كاملاً، فالوقف على كل كلام لا يفهم بنفسه ناقص، والوقف على كل كلام مفهوم المعاني إلا أن ما بعده يكون متعلقاً بما قبله يكون كافياً، والوقف على كل كلام تام ويكون ما بعده منقطعًا عنه يكون وقفاً تاماً.
ثم لقائل أن يقول : قوله :"الحمد لله رب العالمين" كلام تام، إلا أن قوله :"الرحمن الرحيم ملك" متعلق بما قبله، لأنها صفات، والصفات تابعة للموصوفات، فإن جاز قطع الصفة عن الموصوف وجعلها وحدها آية فلم لم يقولوا بسم الله الرحمن آية ؟
ثم يقولوا الرحيم آية ثانية، وإن لم يجز ذلك فكيف جعلوا الرحمن الرحيم آية مستقلة، فهذا الإشكال لا بدّ من جوابه.
حكم لام الجلالة :
المسألة الثانية : أطبق القراء على ترك تغليظ اللام في قوله :"بسم الله" وفي قوله :"الحمد لله" والسبب فيه أن الانتقال من الكسرة إلى اللام المفخمة ثقيل ؛ لأن الكسرة توجب التسفل، واللام المفخمة حرف مستعل، والانتقال من التسفل إلى التصعد ثقيل، وإنما استحسنوا تفخيم اللام وتغليظها من هذه الكلمة في حال كونها مرفوعة أو منصوبة كقوله :﴿اللَّهُ لَطِيفُا بِعِبَادِه ﴾ (الشورى : ١٩) ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (الصمد : ١) وقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ﴾ (التوبة : ١١١).
المسألة الثالثة : قالوا المقصود من هذا التفخيم أمران : الأول : الفرق بينه وبين لفظ اللام / في الذكر، الثاني : أن التفخيم مشعر بالتعظيم، وهذا اللفظ يستحق المبالغة في التعظيم/ الثالث : أن اللام الرقيقة إنما تذكر بطرف اللسان، وأما هذه اللام المغلظة فإنما تذكر بكل اللسان فكان العمل فيه أكثر فوجب أن يكون أدخل في الثواب ؛ وأيضاً جاء في التوراة يا موسى أجب ربك بكل قلبك، فههنا كان الإنسان يذكر ربه بكل لسانه، وهو بدل على أنه يذكره بكل قلبه، فلا جرم كان هذا أدخل في التعظيم.
المسألة الرابعة : لقائل أن يقول : نسبة اللام الرقيقة إلى اللام الغليظة كنسبة الدال إلى الطاء، وكنسبة السين إلى الصاد، فإن الدال تذكر بطرف اللسان والطاء تذكر بكل اللسان وكذلك السين تذكر بطرف اللسان والصاد تذكر بكل اللسان، فثبت أن نسبة اللام الرقيقة إلى اللام الغليظة كنسبة الدال إلى الطاء وكنسبة السين إلى الصاد، ثم إنا رأينا أن القوم قالوا الدال حرف والطاء حرف آخر، وكذلك السين حرف والصاد حرف آخر فكان الواجب أيضاً أن يقولوا : اللام الرقيقة حرف واللام الغليظة حرف آخر، وأنهم ما فعلوا ذلك ولا بدّ من الفرق.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
حكم الإدغام :
المسألة الخامسة : تشديد اللام من قولك :"الله" للإدغام فإنه حصل هناك لامان الأولى : لام التعريف وهي ساكنة والثانية : لام الأصل وهي متحركة، وإذا التقى حرفان مثلان من الحروف كلها وكان أول الحرفين ساكناً والثاني متحركاً أدغم الساكن في المتحرك ضرورة سواء كانا في كلمتين أو كلمة واحدة، أما في الكلمتين فكما في قوله :﴿فَمَا رَبِحَت تِّجَـارَتُهُمْ﴾، (البقرة : ١٦) ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ﴾، (النحل : ٥٣) ﴿مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ﴾ (الرعد : ٣٤) وأما في الكلمة الواحدة فكما في هذه الكلمة.
واعلم أن الألف واللام والواو والياء إن كانت ساكنة امتنع اجتماع مثلين، فامتنع الإدغام لهذا السبب، وإن كانت متحركة واجتمع فيها مثلان كان الإدغام جائزاً.